والثاني أنها في محل نصب على الحال من ضمير ذلك المصدرِ، أي : يفعل الفعل حال كونه مثل ذلك وهو مذهب سيبويه، وقد تقدم إيضاحه.
الثاني - من وجهي الكاف- : أنها في محل رفع خبر مقدَّم، ولفظ الجلالة مبتدأ مؤخر، فقدره الزمخشري على نحو هذه الصفة لله، ويفعل ما يشاء بيان له، وقدره ابن عطية :« كهذه القدرة المستغربة هي قدرة الله ».
وقدّره أبو حيّان، فقال :« وذلك على حذف مضاف، أي : صنع الله الغريب مثل ذلك الصنع، فيكون ﴿ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ شرحاً للإبهام الذي في اسم الإشارة ».
فالكلام - على الأول - جملة واحدة، وعلى الثاني جملتان.
وقال ابن عطية :« ويحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى حال زكريا وحال امرأته، كأنه قال : رَبِّ على أيّ وجه يكون لنا غلام ونحن بحال كذا؟ فقال لهما : كما أنتما يكون لكما الغلام، والكلام تام، على هذا التأويل - في قوله » كذلك «، وقوله :﴿ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ ﴾ جملة مبيِّنة مقررة في النفس وقوع هذا الأمر المستغرب ».
وعلى هذا الذي ذكره يكون « كَذَلِكَ » متعلقاً بمحذوف، و « اللهُ يَفْعَلُ » جملة منعقدة مع مبتدأ وخبر.
قوله :﴿ اجعل لي آيَةً ﴾ يجوز أن يكون الجعل بمعنى التصيير، فيتعدى لاثنين : أولهما « آية »، الثاني : الجار قبله، و التقديم - هنا - واجب؛ لأنه لا مسوغ للابتداء بهذه النكرة - وهي آية - أي : لو انحلت إلى مبتدأ وخبر إلا تقدم هذا الجار، وحكمها بعد دخول الناسخ حكمها قبله، والتقدير : صير آية من الآيات لي، ويجوز أن يكون بمعنى الخلق والإيجاد - أي : أوجد لي آية - فيتعدى لواحد، وفي « لِي » - على هذا - وجهان :
أحدهما : أن يتعلق بالجَعْل.
والثاني : أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من « آيةً » ؛ لأنه لو تأخَّر لجاز أن يقع صفة لها. ويجوز أن يكون للبيان.
وحرك الياء - بالفتح - نافع وأبو عمرو، وسكنها الباقون.
فصل
المراد بالآية : العلامة، أي : علامة أعلم بها وقتَ حضمْل امرأتي، فأزيد في العبادة شكراً لذلك، وذكروا في الآية وجوهاً :
أحدها : أنه - تعالى - حبس لسانه ثلاثة أيامٍ، فلم يقدر أن يكلم الناس إلا رمزاً؛ وهو قول أكثر المفسّرين، وفيه فائدتان :
إحداهما : أن يكون ذلك دليلاً على علوق الولد.
والثانية : أنه تعالى - حبس لسانه عن أمور الدنيا، وأقْدَره على الذكر، والتسبيح، والتهليل، فيكون في تلك المدةِ مشتغِلاً بذكر الله - تعالى - وبالطاعة وبالشكر على تلك النعمة.
واعلم أن اشتمالَ تلك الْوَاقِعَةِ على المعجزة من وجوهٍ :
أحدها : أن قدرته على التكلُّم بالتسبيح والذكر، وعجزه عن الكلام بأمور الدنيا من أعظم المعجزات.