١٤٥٠- مَتَى مَا تَلْقَنِي فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ رَوَانِفُ ألْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَا
وكقوله :[ الكامل ]
١٤٥١- فَلَئِنْ لَقِيتُكَ خَالِيَيْنِ لَتَعْلَمَنْ أَيِّي وَأيُّكَ فَارِسُ الأحْزَابِ؟
قوله :« كَثِيراً » نعت لمصدر محذوف، أو حال من ضمير ذلك المصدر، أو نعت لزمان محذوف تقديره : ذِكْراً كثيراً، أو زماناً كثيراً، والباء في قوله :« بِالْعَشِيِّ » بمعنى « فِي » أي : في العشي والإبكار.
والعشي : يقال من وقت زوال الشمس إلى مَغيبها، كذا قال الزمخشريُّ.
وقال الراغب :« العشيُّ من زوال الشمسِ إلى الصباحِ ». والأول هو المعروف.
قال الشاعر :[ الطويل ]
١٤٥٢- فَلاَ الظِّلُّ مِنْ بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعُهُ وَلاَ الْفَيْءُ مِنْ بَرْدِ العَشِيِّ تَذُوقُ
وقال الواحديُّ :« العَشِيّ : جمع عشية، وهي آخر النهارِ ».
والعامة قرءوا :« والإبْكَارِ » بكسر الهمزة، وهو مصدر أبكر يُبْكِر إبكاراً - أي : خرج بُكْرَةً، ومثله : بَكَرَ - بالتخفيف - وابتكر.
قال عمر بن أبي ربيعة :[ الطويل ]
١٤٥٣- أمِنْ آلِ نُعْمٍ أنْتَ غَادٍ فَمُبْكر ......................
وقال :[ الخفيف ]
١٤٥٤- أيُّهَا الرَّائِحُ المُجِدُّ ابْتِكَاراً .....................
وقال أيضاً :[ الطويل ]
١٤٥٥- بَكَرْنَ بُكُوراً وَاسْتَحَرْنَ بسُحْرَةٍ فَهُنَّ لِوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ
وقرئ شاذاً « والأبْكَار » - بفتح الهمزة - وهو جمع بَكَرَ - بفتح الفاء والعين - ومتى أريد به هذا الوقت من يوم بعينه امتنع من الصرف والتصرُّف، فلا يُستعمَل غيرَ ظرف، تقول : أتيتك يوم الجمعة بَكَر. وسبب مَنْع صَرْفه التعريفُ والعدل عن « أل ». فلو أرِيدَ به وقت مُبْهَم انصرف نحو أتيتك بكراً من الأبكار ونظيره سحر وأسْحار - في جميع ما تقدم.
وهذه القراءة تناسب قوله :﴿ بالعشي ﴾ عند من يجعلها جمع عَشِيَّة؛ ليتقابل الجَمْعَان.
ووقت الإبكار من طلوع الفجر إلى وقت الضحى.
وقال الراغب : أصل الكلمة هي البكرة - أول النهار - فاشتقَّ من لفظه لفظُ الفعل، فقيل : بكر فلان بُكُوراً - إذا خرج بُكْرَةً. والبَكور : المبالغ في البكور، وبَكَّر في حاجته، وابتكر وبَاكَر. [ وتصور فيها ] معنى التعجيل؛ لتقدُّمِها على سائر أوقاتِ النهار فقيل لكل مُتَعَجِّل : بَكَّر.
وظاهر هذه العبارة أن البَكَر مختص بطلوع الشمس إلى الضُّحَى، فإن أريد به من أول طلوع الفجر إلى الضحى فإنه على خلاف الأصلِ.
وقد صرح الواحديُّ بذلك، فقال :« هذا معنى الإبكارِ، ثم يُسَمَّى ما بين طلوعِ الفجر إلى الضُّحَى إبكاراً كما يسمى إصْبَاحاً ».

فصل


قيل : المراد بالذكر الكثير : الذكر بالقلب، وقوله :﴿ وَسَبِّحْ بالعشي والإبكار ﴾ محمول على الذكر باللسان.
وقيل : المراد بالتسبيح : الصلاة؛ لأنها تسمى تسبيحاً، قال تعالى :﴿ فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ [ الروم : ١٧ ]. ومنه سمي صلاة الظهر والعصر : صلاتي العشيّ.


الصفحة التالية
Icon