وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾.
جارٍ مجرى التعليل والرقيب : فَعيل للمبالغة من رَقَبَ يَرْقُبُ رَقْباً، ورُقوباً، ورِقْباناً إذا أحدَّ النَّظَرَ [ لأمر يريد تحقيقه ]، والرقيب هو المراقب الذي يحفظ جميع أفعالك، واستعماله في صفات الله تعالى بمعنى الحفيظ قال :[ مجزوء الكامل ]
١٧٣٠- كَمَقَاعِدِ الرُّقَبَاءِ للضْ | ضُرَبَاءِ أيْدِيهمْ نَوَاهِدْ |
١٧٣١- وَمَعَ الحَبيبِ بِهَا لَقَدْ نِلْتَ المُنَى | لِي عَقْلَهُ الْحُسَّادُ وَالرُّقَباءُ |
فصل
دَلَّتْ الآيةُ على تعظيم حق الرحم وتأكيد النهي عن قطعه.
قال تعالى :﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرض وتقطعوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ [ محمد : ٢٢ ].
وقال تعالى :﴿ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ﴾ [ التوبة : ١٠ ] قيل : إنَّ الإلّ القرابة، قال :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبالوالدين إِحْسَاناً ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ] وقال عليه السلام : قال الله تعالى :« أنا الرحمن وهي الرحم اشتققتُ لها اسماً من اسمي، من وَصَلَها وَصَلْتُه، ومن قطعها قطعته ».
فصل
قال القرطبيُّ : الرحم : اسم لكافة الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره. وأبو حنيفةَ يعتبر الرَّحم المحرم في منع الرجوعِ في الهِبَةِ، ويجوز الرجوع في حق بني الأعمام، مع أنَّ القطيعة موجودة، والقرابة حاصلة ولذلك تعلّق بها الإرث، والولاية، وغيرهما من الأحكام، فاعتبار المحرم زيادة على نصِّ القرآن من غير دليل، وهم يرون ذلك [ نسخاً ]، سيما وفيه إشارة بالتعليل إلى القطيعة قد جوَّزها في حق بني الأعمام، وبني الأخوال والخالات.
فصل
أجمعت الأمةُ على أنَّ صلة الرَّحم واجبة، وأن قطيعتها محرَّمة، وقد صحَّ أن رسول الله ﷺ قال لأسْمَاءَ وقد سألته : أأصِلُ أمِّي؟ « صِلِي أمَّكِ » فأمرها بصلتها وهي كافرة فلتأكيدها دخل الفضل في صلة الكافرة حتى انتهى لحل بأبي حنيفة وأصحابه ومن وافقهم إلى توارث ذوي الأرحام، إذا لم يكن عصبة، ولا ذو فرض ويعتقون على من اشتراهم من ذوي رحمهم لحرمة الرّحم، ويؤيده قوله ﷺ « مَنْ مَلَكَ ذَا رحمٍ محرمٍ فَهُوَ حُرٌّ » وهذا قول أكثر أهل العلم، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ولا يعرف لهما من الصحابة مخالف.
فصل
واختلفوا في ذَوِي المَحَارمِ من الرِّضَاعةِ، فقال أكْثَرُ أهلِ العلمِ : لا يدخلون في مقتضى الحديث.
وقال شريك القاضي : يُعْتَقُونَ.
وذهب أهل الظاهر وبعض المتكلمين إلى أن الأب [ لا ] يعتق على الابن إذا ملكه.