قوله :﴿ إِنَّهُ ﴾ إن هذا الضمير يعود على النِّكَاح المفهوم من قوله :﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ ﴾ ويجوز أن يعود على الزِّنَا إذا أرِيدَ بقوله ﴿ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ من الزِّنَا و « كان » هنا تدلُّ على الماضي فقط؛ لأنَّ معناها هنا : لم يزل، أي في حكم اللهِ وعلمه موصوفاً بهذا الوصف، وهذا المعنى هو الذي حَمَلَ المبرد على قوله :« إنها زائدة »، وردَّ عليه [ أبُو حَيَّان ] بوجود الخبر والزَّائدة لا خبر لها، وكأنه يعني بزيادتها ما ذكرناه من قوله لا تَدُلُّ على الماضي فَقَطْ، فَعَبَّر عن ذلك بالزِّيَادَةِ.

فصل


وصف تعالى هذا النِّكَاحَ بأمُورٍ ثَلاَثَةٍ :
الأوَّلُ : أنَّهُ فاحشةٌ، والفَاحِشَةُ أقبحُ المعاصي، وذلك أنَّ زوجة [ الأب ] تشبه الأمّ، فكان مباشرتها من أفْحَشِ الفواحش لأنَّ نكاح الأمّهات من أقبح الأشْيَاءِ عند العَرَب قال أبُو العبَّاس سالت ابن الأعرابي عن نكاح المقت فقال : هو أن يتزوج الرَّجل امرأة أبيه إذا طلَّقها أو مات عنها ويقال لهذا الرَّجُل : الضَّيْزَن وقال ابْنُ عَرَفَة : كانت العرب إذا تزوَّجَ الرَّجُلُ امرأة أبيه فأولدها، قيل للولد : المقتِيّ.
والثَّاني : امَقْتُ هو بغضٌ مقرون باستحقار، فهو أخصُّ منه، وهو من اللَّه تعالى في حقِّ العبد يدلُّ على غاية الخزْي والخَسَارِ، وكان لذلك أخص قبل النَّهْي منكراً في قلوبهم، ممقوتاً عندهم، وكانت العَرَبُ تقولُ لولد الرَّجُلِ من امرأة أبيه :« مقيتٌ » وكان منهم الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ، أبو معيط بن أبي عمرو بن أميةَ.
والثَّالِثُ : قوله :﴿ وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾ وأعلم لأنَّ مراتب القبح ثَلاثَة :
الْقُبْحُ العَقْلِيُّ، والقبح الشَّرْعِيُّ، والقبح العَادِيُّ، فقوله :« فاحشة » إشارة إلى القُبْحِ العقلي، وقوله ﴿ وَمَقْتاً ﴾ إشارةً إلى القبح الشَّرعي، وقوله ﴿ وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾ إشارةً إلى القبح في العرف والعادةِ، ومن اجتمع فيه هذه الوجوه فقد بلغ الغاية في القبح.
قوله ﴿ وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾ في « ساء » قولان :
أحدهما : أنها جارية مجرى بئس في الذَّمِّ والعمل، ففيها ضمير مبهم يفسِّره ما بعده وهو ﴿ سَبِيلاً ﴾ والمخصوص بالذَّمِّ محذوف تقديره « وساء سبيل هذا النكاح » كقوله :« بئس الشراب » أي : ذلك الماء.
قال الَّليْثُ :« ساء » فعل لازم وفاعله [ مضمر، و ] « سبيلاً » منصوب تفسيراً لذلك الفاعل المحذوف كما قال


الصفحة التالية
Icon