وقال مَكِّيٍّ : فائدةُ [ قوله ] ﴿ مِنَ النسآء ﴾ أنَّ المحصنات يقع على الأنفس فقوله :﴿ مِنَ النسآء ﴾ يرفع ذلك الاحتمال، والدَّلِيلًُ على أنَّهُ يراد ب « المحصنات » الأنفس قوله ﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ [ النور : ٤ ] فلو أُرِيدَ به النِّساء خاصَّةً لم حُدَّ مِنْ قذف رجلاً بنصّ القرآن، وقد أجمعوا على أنَّ حدَّه بهذا النَّص. انتهى.
قال شهَابُ الدِّينِ : وهذا كلام عجيبٌ؛ لأنَّهُ بعد تسليم ما قاله في آية النُّور كيف يتوهَّم ذلك هنا أحد من النَّاس.

فصل [ في سبي أحد الزوجين ]


اتَّفَقُوا على أنَّهُ إذَا سبي أحد الزَّوْجَيْنِ قبل الآخر وأخرج إلى دار الإسلام وقعت الفرقة بينهما، فإنْ سُبِيَا معاً، قال الشَّافِعِيُّ : تزول الزَّوجيّة ويستبرئها المالك.
وقال أبو حَنِيفَةَ لا تزول الزَّوجيَِّة.
واستدلَّ الشافعيُّ بقوله ﴿ والمحصنات مِنَ النسآء ﴾ فيقتضي تحريم ذوات الأزواج ثم قال ﴿ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ ﴾ يقتضي أن عند طريان الملك ترتفع الحرمة ويحصل الحل.
قال أبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ : إن حصلت الفُرْقَةُ بمجرد طريان الملك فوجب أن تقع الفرقة بشراء الأمة واتهابها [ وإرثها ] وليس ذلك واجب، فإنَّ العام بعد التَّخصيص حجة في الباقي، وأيضاً فالحاصل عن السَّبي إحداث الملك، وعند البيع نقل الملك من شخص إلى شخص، فكان الأوَّل أقوى.
قوله [ ﴿ كِتَابَ الله ﴾ ] في نصبه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنَّهُ منصوبٌ على أنَّهُ مصدر مؤكّد بمضمون الجملة المتقدِّمة قبله، وهي قوله ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ﴾ ونصبه بفعل مقدر [ تقديره ] كتب الله ذلك عليكم كتاباً، والمعنى : كتب اللهُ عليكم تحريم ما تقدَّمَ ذكره من المحرمات كتَاباً مِنَ اللهِ، ومجيء المصدر من غير لفظ الفعل كثير. قال تعالى ﴿ وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب صُنْعَ الله ﴾ [ النمل : ٨٨ ]، وأبعد عبيدة السلماني في جعله هذا المصدر مؤكداً لمضمون الجملة من قوله تعالى « فانكحوا ما طاب لكم [ » من النساء « ].
الثاني : أنه منصوب على الأغراء ب »
عليكم « والتقدير : عليكم كتاب الله، أي : ألزموه كقوله تعالى ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ ﴾ [ المائدة : ١٠٥ ] وهذا رأي الكِسَائيِّ ومن تابعه أجازوا تقديمَ المنصوب في باب الإغراء مستدلَّينَ بهذه الآية، وبقول الشَّاعِرِ :[ الرجز ]
١٧٨٣- يَأيُّهَا المَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا إنِّي رأيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا
ف »
دَلْوِي « منصوبٌ بدونك تقَدَّمَ، والبصريون يمنعون ذلك، قالوا : لأنَّ العامل ضعيف، وتأوَّلُوا الآية [ على ما تَقَدَّمَ ] والبيتَ على أنَّ » دَلْوِي « منصوب بالمائِحِ أي : الَّذِي مَاحَ دلوي.
والثَّالثُ : أنَّهُ منصوبٌ بإضْمْارِ فعل أي : الزموا كشتَابَ اللهِ [ وهذا قريب من الآخر.
وقال أبُو الْبَقَاءِ : هذا الوجه تقديره : الزموا كِتَاب اللهِ ] وعليكم : إغراء يعني : أنَّ مفعوله قد حُذِفَ للدلاَلَةِ ب ﴿ كِتَابَ الله ﴾ عليه. أيْ عليكم ذلك فيكون أكثر تأكيداً، وأمَّا عليكم فقال أبُو الْبَقَاءِ : إنَّهَا على القَوْلِ بأنَّ كِتَابَ اللهِ مصدرٌ يتعلَّقُ بذلك الفعل المقدر النَّاصب لكتاب، ولا يتعلَّق بالمصدر وقال : لأنَّهُ هنا فَضْلة، قال : وقيل : يتعلَّق بنفس المصدر؛ لأنَّهُ ناب عن الفعل حيثُ لم يذكر معه فهو كقولك : مروراً بِزَيْدٍ، قلت وَأمَّا على القول بأنَّهُ [ إغراء فلا محل له من الإعراب لأنه واقع موقع فعل الأمر وأما على القول بأنَّه ] منصوبٌ بإضْمَارِ فعل أي الزموا فَعَلَيْكُمْ متعلِّقٌ بنفس كتاب، أو محذوف على أنَّهُ حالٌ منه.


الصفحة التالية
Icon