الثَّاني :- أنْ يكون الاحصانُ شَرْطاً في الإحلالِ المذكور في قوله ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ والأوَّلُ أولى؛ لأنَّ الآية تَبْقى عامَّةً معلومة المعنى.
وعلى الثَّاني : تكونُ الآيةُ مجملةً؛ لأنَّ الإحْصانَ المذكور فيها غير مُبَيّن، والمعلَّق على المجمل يكون مجملاً، وحمل الآية على وَجْهٍ معلوم أوْلَى من حملها على وجه مجمل.
قوله :﴿ فَمَا استمتعتم بِهِ ﴾ يجوزُ في « ما » وجهان أحدهُمَا : أنْ تكون شرطيّة.
والثَّاني : أن تكونَ مَوْصولةً، وعلى كلا التقديرين فيجوزُ أن يكون المراد بها النساء المُسْتمتعَ بِهِنَّ، أي النَّوع المستمتع به، وأن يراد بها الاستمتاع الَّذي هو الحدث، وعلى جميع الأوجهِ المُتقدِّمَةِ، فهي في محلِّ رفع بالابتداء، فإنْ كانت شرطيَّة ففي خبرها الخِلافُ المشهور هل هو فعل الشّرط وجوابه، أو كلاهما وقد تقدَّمَ تحقيقهُ في البقرة، وإن كانت موصولة؛ فالخبَرُ قوله « فآتوهن » ودخلت الفاءُ لشبه الموصول باسم الشرط كما تقدَّمَ، ثم إنْ أريد بها النَّوع المستمتعُ به فالعَائِدُ على المبتد سواء كانت ما شرطية أو موصولة الضمير [ المنصوب ] في « فآتوهن » ويكون قد راعى لفظ « مَا » تارة فأفرد في قوله « بِهِ »، ومعناها أخرى، فجمع في قوله « منهن » « فآتوهن » فيصيرُ المعنى : أي أُرِيدَ بها الاستمتاع، فالعائِدُ حينئذٍ محذوف، تقديره : فأيُّ نوع من الاستمتاعِ استمتعتم به من النساء فآتوهنّ أجورهن لأجله. و « من » في « منهن » تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون للبيان.
والثاني : أنْ تكون للتّبعيض، ومحلها النّص على الحال، من الهاء في « به »، ولا يجوزُ في « ما » أنْ تكون مصدريّة لفساد المعنى ولعود الضَّميرِ في « بِهِ » عليها.

فصل [ في تفسير الاستمتاع ]


الاستمتاعُ في اللُّغَةِ : الانْتِفَاعُ، وكلُّ مَا انتفعَ به فهو مَتَاعٌ، يقالُ : استمتع الرَّجُلُ بولده، ويقال فيمنْ مَاتَ شابّاً : لم يَتمتَّع بشَبَابِهِ، قال تعالى ﴿ رَبَّنَا استمتع بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ﴾ [ الأنعام : ١٢٨ ] وقال ﴿ فاستمتعوا بِخَلاقِهِمْ ﴾ [ التوبة : ٦٩ ] يعني : بحظِّكُمْ عليهنّ؛ فآتُوهنّ أجورهنّ عليه، أو مهورهن عليه، وإنَّما سُمِّيَ المهرُ أجراً؛ لأنَّهُ بَدَلُ المَنَافِعِ كما سُمِّي بَدَلُ منافع الدَّارِ والدَّابَّةِ أجْراً.

فصل [ في الخلاف في تقرير لمهر بالخلوة ]


قال الشَّافعيُّ : الخلوةُ الصَّحيحةُ لا تُقرِّرُ المَهْرَ.
وقال أبُو حنيفةَ وأحْمَدُ : تقرره، واحتجَّ الشَّافِعِيُّ بقوله تعالى ﴿ فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ فجعل وُجُوبَ إتيانهنّ لأجل الاستمتاع بهنَّ، فلوْ تقرَّر بالخُلْوَةِ قبلَ الاستمتَاعِ لمنع من تَعَلُّقِ النُّقُودِ بالاسْتِمتَاعِ وهو خلاف الآية.

فصل


قال الحَسَنُ ومُجاهدٌ وأكثرُ العلماءِ : والمراد بهذه الآية ابتغاء بالأمْوَالِ على طريق النِّكاحِ الصحيح.
وقوله ﴿ فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ فجعل وُجُوبَ إتيانهنّ بالدُّخُول أي ﴿ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ أي مهورهن بالتَّمام.
قال القُرْطُبِيُّ : اختلف النَّاس في المعقود عليه في النِّكَاحِ هل هو بَدَنُ المرأة، أو منفعة البُضْعِ، أو الحِلّ على ثلاثة أقوال، قال : والظَّاهِرُ المجموع؛ لأنَّ العَقْدَ يقتضي كُلَّ ذلك فإنَّ عقد النِّكاح آتاها نصف المهر، وقال آخرونَ : هو نِكَاحُ المُتْعَةِ، وهو أن يستأجر امرأةً بمالٍ مَعْلوم إلى أجل معينٍ، فإذا انقضت تلك المدَّة باتت منه بلا طلاق وتستبرئ رحمها، وليس بينهما ميراث، وكان ذلك مباحاً في ابتداء الإسْلامِ ثم نَهَى عنه رَسُولُ الله ﷺ، روى الرّبيع بن سبرة الجهني أنَّ أباه حدَّثه أنَّهُ كان مع رسول الله ﷺ فقال :


الصفحة التالية
Icon