الثَّالِثُ : أنَّهُ وَاجِبٌ إيتاء الأجور بمجرَّدَ الاستمتاع، والاستمتاعُ عبارةٌ عن التَّلذُّذِ والانتفاع، وأمَّا في النِّكَاحِ المطلق فإيتاء الأجور لا يتوقَّفُ على الاستمتاع ألْبَتَّةَ بل على العقد. ألا تَرَى انَّ بمجرد النِّكَاحِ يلزم نصفُ المهر.
الرَّابعُ : أن الأمَّةَ مجمعة على أنَّ نِكَاحَ المتعة كَانَ جَائِزاً في الإسْلامِ، وإنَّمَا الخلافُ في النَّسْخِ، فَنَقُولُ لو كان النَّاسِخُ موجوداً، لكان إمَّا معلوماً بالتَّواتُرِ أو الآحاد، ولم يعلم بالتَّواتُرِ؛ لأنَّه كان يلزمُ منه كونُ عليٍّ، وابن عباس، وعمران بن الحُصَيْنِ منكرين لما عرف ثبوته بالتَّواتُرِ في دين محمَّدٍ عليه السلامُ، وذلك يوجب تكفيرهم، ويكون باطلاً قطعاً، وإنْ كان ثابتاً بالآحاد لزم نسخ الثابت المتواتر المقطوع به بخبر الوَاحِدِ المظنون، وهذا أيضاً باطل، ومما يدلُّ على بطلان هذا النَّسخ أيضاً أنَّ أكثر الرِّوايات أنَّ النَّبيِّ ﷺ نهى عن المتعة يوم خيبر، وأكثر الرِّوايات أنَّهُ عليه السلامُ أباح المتعةَ في حجَّة الوداع وفي يومَ الفَتْحِ، وهذان اليومان متأخرانِ عن يوم خيبر، وذلك يدلُّ على فساد ما روي أنَّهُ عليه السلامُ نسخ المتعة يوم خيبر، لأنَّ النَّاسِخَ يمتنع تقدُّمهُ على المنسوخ، [ وقول ] من قال إنَّهُ حصل التحليل مراراً [ والنسخ مرارا ] قول ضعيف لم يقل به أحدٌ من [ المُتقدِّمينَ ] المعتبرين، إلا الذين أرادوا إزالة التَّناقُضِ عن هذه الرِّوايات.
الخامس : أنَّ عمر -Bه- قال على المنبر متعتان كانتا مشروعتين في زمن رسول الله ﷺ، وأنا أنهى عنهما : مُتْعَةُ الحَجِّ، ومتعةُ النِّكَاحِ وهذا تنصيص منه على أنَّ متعة النِّكاحِ كانت موجودةً في عهد رسول الله ﷺ وقوله « وأنا أنْهى » يدلُّ على أنَّ رسول الله ﷺ ما نسخة، وَإنَّما عمر هو الذي نَسَخَهُ وإذَا كانت كذلك؛ وجب أن لا يصير منسوخاً بنسخ عُمرَ، وهذا هو الحجةُ التي احتجَّ بها عمران بن الحصين حيث قال : ولم تنزل آية بنسخ آية المتعة، ولم يَنْهَنَا عنها حتى مات، ثم قال رجلٌ برأيه ما شاء، يريد أنَّ عمر نهى عنها.
والجوابُ أنْ يقال : إن هذه الآيةَ مشتملة على أنَّ المراد منها تحريم نكاح المتعة من ثلاثة أوجُهٍ : الأوَّلُ : أنَّهُ تعالى ذكر المحرمات بالنِّكاح أولاً في قوله ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾ ثم قال في آخر الآية ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ كانَ المرادُ بهذا التحليل ههنا ما هو المراد هناك بالتَّحريم هو النِّكاح، فالمرادُ بالتحليل هنا أيضاً يجب أنْ يكون هو النِّكاح.
الثّاني : قوله تعالى ﴿ مُّحْصِنِينَ ﴾ والإحْصَانُ لا يكون إلاَّ في نكاحٍ صحيح.
الثالثُ : قوله ﴿ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ سمَّى الزِّنَا سِفَاحاً؛ لأنَّهُ لا مقصود فيه إلا سفح الماء ولا يطلب فيه الولد وسائر مصالح النِّكاح، والمتعة لا يراد منها إلاَّ سفح الماء فكان سفاحاً، هذا قول أبِي بكر الرَّازي، وفيه مناقشة.


الصفحة التالية
Icon