قوله :« فإن أتين بفاحشة فعليهن » الفاء في « فإنْ » جواب « إذَا » وفي « فعليهن » جواب « إن » فالشَّرط الثَّاني وجوابه مترتِّبٌ على وجود الأوَّلِ، ونظيره : إن أُكلت فإن ضربت عمراً فأنت حرٌّ، لا يُعتق حتى يأكل أولاً، ثم يضرب عمراً ثانياً ولو أسقطت الفاء الدّاخلة على « إن » في مثل هذا التّركيب انعكس الحكم، ولزم أن يَضْرب أولاً ثُمَّ يأكل ثانياً، وهذا يُعْرف من قواعد النَّحْوِ، وهو أن الشَّرْطَ الثَّاني يُجْعل حالاً، فيجب التَّلبُّسُ به أولاً.
قوله :« من العذاب » متعلق بمحذوف؛ لأنَّهُ حال من الضَّميرِ المستكن في صلة « ما » وهو « على »، فالعامل فيها معنوي، وهو في الحقيقة ما تعلَّقَ به هذا الجر، ولا يجوز أن يكون حالاً من « ما » المجرورة بإضافة « نصف » إليها؛ لأنَّ الحال لا بدَّ أن يعمل فيها [ ما يعمل ] في صاحبها [ إن ] و « نصفُ » هو العامل في صاحبها الخفض بالإضافة، ولكنه لا يعمل في الحال، لأنَّهُ [ ليس ] من السماء العاملة إلا أنَّ بعضهم يرى أنَّهُ إذا كان جزءاً من المضاف جاز ذلك فيه، والنصفُ جزء فيجوز ذلك.

فصل


في الآية إشكال، وهو أنَّ المحصنات في قوله :﴿ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات ﴾ إمَّا أن يكون المرادُ منه الحرائِر المتزوّجات، أو الحرائر الأبكار، والسَّبَبُ في إطلاق اسم المحصنات عليهن حريتهن، والأول مُشْكِلٌ؛ لأن الواجبَ على الحرائر المتزوجات في الزِّنَا الرَّجم، فهذا يقتضي أن يجب في زِنَا الإماء نصفُ الرَّجْمِ وذلك باطل.
والثَّاني وهو أن يكون المراد الحرائر الأبكار، فنصف ما عليهنَّ خمسون جَلْدَةً وهذا القدر واجب في زنَا الأمَةِ، سواء كانت مُحْصَنَةً أو لم تكن، فحينئذ يكون هذا الحكمُ معلقاً بمجرَّدِ صُدُورِ الزِّنَا عنهنَّ، وظاهر الآية يقتضي كونه معلقاً بمجموع الأمرين : الإحصان والزِّنا، لأنَّ قوله ﴿ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ ﴾ شرط بعد شرط. فيقتضي كون الحكم مشروطاً بهما نصاً.
فالجوابُ أن يُخْتارَ القسم الثَّاني، وقوله :﴿ فَإِذَآ أُحْصِنَّ ﴾ ليس المرادُ منه جعل هذا الإحْصَانِ شرطاً لأن يجب في زَنَاهَا خمسُونَ جَلْدَةً، بل المعنى أنَّ حدَّ الزِّنَا يغلظ عند التَّزوُّجِ فهذه إذَا زَنَتْ، وقد تزوَّجت فحدُّهَا خمسون جلدة، لا يزيد عليه فبأن يكون قبل التَّزوُّجِ هذا القدر [ أيضاً ] أولى، وهذا مما يَجْرِِي [ فيه مجرى ] المفهوم بالنَّصِّ لأنَّهُ لما خفف الحدَّ لمكان الرّق عند حصول ما يُوجبُ التَّغليظَ فبأن يجب هذا القدر عندما لا يوجد المغلظ أولى، وذهب بعضهم إلى أنَّهُ لا جلد على من لم يتزوّج من المماليك إذَا زَنَا لقوله تعالى :﴿ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ وهذا مرويٌّ عن ابن عباسٍ وبه قال طاووس.


الصفحة التالية
Icon