قوله :﴿ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ ﴾ قيل : مِنَ الجِهَادِ.
﴿ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكتسبن ﴾، أي : من طَاعَةِ أزواجهن [ وحفظ فُرُوجهِنَّ ].
وقيل : ما قدر لهن من الميراث، يجبُ أن يرضوا به، ويتركوا الاعتراض نهى اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- عن التَّمنِّي على هذا الوجه لما فيه من دَوَاعِي الحَسَدِ، ولأنَّ اللَّه -عزّ وجلّ- أعلم بمصالحهم منهم؛ فوضَعَ القِسْمَةَ بينهم مُتَفَاوِتَةً على حَسْبِ ما علم مِنْ مصالِحِهمْ ويكونُ الاكتساب بمعنى : الإصَابَةِ.
وقيل : ما يَسْتَحِقُّوهُ من الثَّواب في الآخِرَةِ.
وقيل :[ المرادُ ] الكلُّ؛ لأنَّ اللَّفْظَةَ محتملة ولا منافاة.

فصل : إثبات الهمزة في الأمر من السؤال


الجمهورُ على إثْباتِ الهمْزَةِ في الأمرِ من السُّؤالِ الموجه نحو المخاطب، إذا تَقدَّمَهُ واو، أو فاء نحو :﴿ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ ﴾ [ يونس : ٩٤ ]، ﴿ واسألوا الله مِن فَضْلِهِ ﴾ [ النساء : ٣٢ ]، وابن كثير، والكسَائِي بنقل حركة الهمْزَة إلى السِّين تخفيفاً لكثرة استعماله. فإن لم تتقدَّمه واو، ولا فاء، فالكًُلُّ على النقل نحو :﴿ سَلْ بني إِسْرَائِيلَ ﴾ [ البقرة : ٢١١ ]، وإن كان لغائب، فالكُلُّ على الهمز نحو :﴿ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ﴾ [ الممتحنة : ١٠ ].
وَوَهِمَ ابْنُ عَطيَّة، فنقل اتِّفَاقَ القُرَّاءِ على الهَمْزِ في نحو :﴿ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ ﴾ [ الممتحنة : ١٠ ]، وليس اتفاقهم في هذا، بل في « وليسألوا ما أنفقوا » كما تقدَّم.
وتخفيف الهَمْزَةِ لغةُ الحِجَازِ، ويحتملُ أن يكونُ ذلك من لغة من يقُولُ « سَالَ يَسَالُ » بألف مَحْضَةٍ، وقد تقدَّمَ تحقيق ذلك، وهذا إنَّمَا يتأتى في « سَلْ »، و « فَسَلْ » وأمّا « وسَألوا »، فلا يَتَأتَّى فيه ذلك؛ لأنَّهُ كان ينبغي أنْ يُقَالَ : سالوا كَخَافُوا، وقد يُقَالُ : إنَّهُ التزم الحذف لكثرة الورود، وقد تقدّم في البَقَرة عند ﴿ سَلْ بني إِسْرَائِيلَ ﴾ [ البقرة : ٢١١ ].
وهو يَتعَدَّى لاثْنَيْنِ، والجلالة مفعول أوّل، وفي الثَّاني قولان :
أحدهما : أنَّهُ محْذُوفٌ، فقدَّره ابْنُ عطيَّة :« أمانيَّكم » وقدّره أبُو عليِّ الفارسِيُّ وغيره : شيئاً مِنْ فَضْلِه، فحذفَ المَوْصُوف، وأبْقَى صِفَتَهُ نحو :« أطعمته من اللحم »، أي : شيئاً منه، و « مِنْ » تبعيضيَّة.
والثَّاني : أن « مِنْ » زائدة، والتَّقديرُ :« واسألوا الله فَضْلَهُ »، وهذا إنَّما يَتَمَشَّى على رَأي الأخْفَشِ لفقدان الشَّرْطَيْنِ، وهما تنكيرُ المجْرُورِ، وكون الكلام [ غير موجب ].

فصل


قال عليه السلامُ :« سَلوا اللَّه مِنْ فَضْلِه، فإنَّهُ يحِبُ أنْ يُسْألَ، وأفْضَلُ العِبَادَةِ انْتِظَارُ الفَرَج »، وقال -عليه السلامُ- :« مَنْ لَمْ يَسْألِ اللَّهَ يَغْضَبْ عليْهِ ».
وقال القُرْطُبِيُّ :« وهذا يَدُلُّ على أنَّ الأمْرَ بالسُّؤالِ للَّهِ تعالى واجبٌ، وهذه الآية تَدُلُّ على أنَّ الإنسَانَ لا يجوزُ له أنْ يعيِّن شيئاً في الدُّعَاءِ، والطَّلب، ولكن يَطْلُبُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ -تعالى- ما يكُونُ سبباً لصلاحِ دينهِ ودُنْيَاهُ ». ثُمَّ قَالَ ﴿ إِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾ ومعناه : أنَّهُ العالم بما يكونُ صلاحاً للسَّائِلينَ.


الصفحة التالية
Icon