وقال أبو حنيفة : لا يُفْسَخُ لقوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ ﴾ [ البقرة : ٢٨٠ ].
قوله :﴿ فالصالحات قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله ﴾ ] « الصَّالحات » مبتدأ، وما يَعْدَهُ خبران لَهُ، و « للغيب » مُتعلِّق ب « حَافظاتٌ » و « أل » في « الغيب » عوض من الضَّميرِ عند الكُوفييِّنَ كقوله :﴿ واشتعل الرأس شَيْباً ﴾ [ مريم : ٤ ]، أي : رأسي وقوله :[ البسيط ]
١٧٩١- ب- لميَاءُ في شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ... وَفِي اللِّثَاتِ وفِي أنْيَابِهَا شَنَبُ
أي : لثاتها.
والجمهور على رفع الجلالةَ من ﴿ حَفِظَ الله ﴾ وفي « مَا » على هذه القراءة ثلاثَةُ أوْجُه :
أحدُهَا أنَّهَا مَصْدَريَّةٌ، والمعنى : بحظ اللَّه إيَّاهُنَّ أي : بتوفيقه لهن، أو بالوصيَّةِ منه تعالى عليهنَّ.
والثاني : أن تكُونَ بمعنى الذي، والعَائِدُ محذوفٌ، أي : بالَّذي حفظه اللَّهُ لَهُنَّ مِنْ مُهُورِ أزواجهِنَّ، والنّفقة عليهن، قاله الزَّجَّاجُ.
والثَّالِثُ : أن تكُونَ « مَا » نكرة موصوفة، والعَائِدُ محذوفٌ أيضاً، كما تقرَّرَ في المَوْصُولَةِ، بمعنى الَّذِي.
وقرأ أبُو جَعْفَرٍ بنصب الجَلاَلَةِ. وفي « مَا » ثلاثة أوجه أيضاً :
أحدُهَا : أنَّها بمعنى الَّذِي.
والثَّانِي :[ أنها ] نكرةٌ موصُوفَةٌ، وفي ﴿ حَفِظَ ﴾ ضمير يعُودُ على [ « ما » ] أي : بما حفظ من البرِّ والطَّاعَةِ، ولا بدّ من حَذْفِ مضافٍ تقديره : بما حَفِظَ دين اللَّه، أو أمر اللَّه؛ لأنَّ الذَّات المقدَّسة لا يحفظها أحَدٌ.
والثَّالِثُ : أنْ تكُونَ « مَا » مَصْدريَّة، والمعنى : بما حفظن اللَّه في امتثال أمره، وَسَاغَ عَوْدُ الضَِّميرِ مُفْرَداً على جَمْعِ الإنَاثِ؛ لأنَّهُنَّ في معنى الجنس كأنه قيل :« فمن صلح » فَعَاد الضَّميرِ مُفْرداً بهذا الاعتبارِ، ورُدَّ هذا الوجه بِعَدَمِ مُطَابَقَةِ الضَّميرِ لما يعودُ عليه وهذا جوابه، وجعله ابْنُ جِنّي مثل قول الشَّاعِرِ :[ المتقارب ]
١٧٩٢-...................................... فإنَّ الحَوَادِثِ اوْدَى بِهَا
أي : أوْدَيْنَ، وَيَنْبَغِي أن يُقَالَ : الأصْلُ بما حفظت الله، والحوادث أوْدَتْ، لأنَّهَا يَجُوزُ انْ يَعُودَ الضَّميرُ عَلَى [ جمع ] الإنَاثِ كَعَوْدِهِ عَلَى الوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ، تقول : النِّسَاءُ قَامَتْ، إلاَّ أنَّهُ شَذَّ حذفُ تَاءِ التَّأنيثِ مِنَ الْفِعْلِ المُسْندِ إلى ضَميرِ المُؤنَّثِ.
وقرأ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودِ -وهي في مُصْحَفِهِ كَذَلِكَ- « فالصالح قوانت حوافظ » بالتكسير.
قال ابْن جني : وهي أشْبَهُ بالمَعْنَى لإعطائِهَا الكَثْرَة، وَهِيَ المَقْصُودَةُ هُنَا، يعني : أن « فَوَاعِل » من جُمُوعِ الكَثْرَةِ، وجمع التَّصحيح جمع قلَّةٍ، ما لم تَقْتَرِنْ بالألف واللاَّمِ. وظاهِرُ عِبَارَةَ أبِي البَقَاءِ أنه لِلقِلَّةِ، وَإنْ اقْتَرَنَ ب « أل » فإنَّهُ قال : وجمع التَّصحيح لا يدلّ على الكثرة بوضعِهِ، وقد استعمل فيها كقوله تعالى :﴿ وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ ﴾ [ سبأ : ٣٧ ].
وفيما قالهُ [ أبُو الفتح ] وأبُو البقاءِ نَظَرٌ، فإنَّ « الصَّالِحات » في القراءةِ المَشْهُورَةِ مُعَرَّفَةٌ بِأل، وقَد تَقَدَّمَ أنَّه تكُونُ لِلْعُمُومِ، إلاَّ انَّ العموم المفيد للكثرة، ليس مِنْ صيغَةِ الجَمْعِ، بل مِنْ « ألْ »، وإذا ثَبَتَ أن « الصَّالِحَاتِ » جمع كَثْرَةٍ، لَزِمَ أنْ يكُونَ « قَانِتَات » و « حَافِظَات » للكثرة؛ لأنَّهُ خبرٌ عن الجميعِ، فَيُفِييدُ الكَثْرَةَ، ألا تَرَى أنَّكَ إذا قلت : الرِّجَالُ قَائِمُونَ، لَزِمَ أنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجَالِ قَائِماً، ولا يجوز أن يكُونَ بعضُهم قاعداً، فإذاً القراءةُ الشَّهيرةُ وافيةٌ بالْمعنى [ المقصود ].