« أنْ تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمَتْ، وتكسوها إذا اكْتَسَيت، ولا تضرب الوَجْهُ، ولا تهجر إلاَّ في البَيْتِ ».
قال الشَّافِعيُّ : يكُونُ دون الأرْبَعينَ.
وقال بعضُهُم : لا يَبْلغُ به عِشْرِينَ، لأنَّهُ حدٌّ كامِلٌ في حَقّش العبد، ويكونُ بحيث لا يُفْضي إلى الهَلاَكِ، ويَكُونُ مفرقاً على بدنها، ولا تجوزُ الموالاة في مَوْضِعٍ واحدٍ، ويتقي الوجه.
قال بعضُ العُلَمَاءِ : يكُونُ الضَّرْبُ بمنديلٍ مَلْفُوفٍ، أو بِيَدِهِ، ولا يَضْرِبُهَا بالسِّياطِ، ولا بالعَصَا، وبالجملة فالتَّخفيفُ مراعى في هَذَا البَابِ.
قال الشَّافعيُّ :« الضَّرْبُ مُبَاحٌ وتركُهُ أفْضَلُ ».
واختلفوا : هل هذا الحُكْمُ على الترتيبِ، أم لا؟ قال عَلِيُّ بْنُ أبي طالبٍ -Bه- : يَعِظُهَا بِلِسَانِهِ، فإنْ أبَتْ هَجَرَهَا فِي المَضْجَعِ [ فإن أبتْ ضَرَبَهَا ]، فإن لم تَتَّعِظْ بالضَّرْبِ بَعَثَ الحكم [ مِنْ أهْلِهِ ].
وقال آخرون : هذا الترتيب مراعى عند خَوْف النُّشُوزِ أمّا عند تحقق النشوز، فلا بأس بالجمع بين الكُلِّ.
قوله :« [ فإن أطعنكم ] فلا تبغوا عليهن سبيلاً » في نَصْبِ « سبيلاً » وجْهَانٍ :
أحدهما : أنه مفعول به.
والثَّانِي : أنَّهُ على إسْقَاطِ الخَافِضِ، وهذان الوَجْهَانِ مبنيان على تفسِير البَغْي هنا ما هو؟ فقيل : هو الظٌّلْمُ من قوله :﴿ فبغى عَلَيْهِمْ ﴾ [ القصص : ٧٦ ]، فعلى هذا يَكُونُ لازِماً، و « سبيلاً » منصوب بإسْقَاطِ الخَافِضِ أي : كسبيل.
وقيل : هو الطَّلب، من قولهم : بَغَيْتُه، أي : طلبته، وفي ﴿ عَلَيْهِنَّ ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه متعلّق ب ﴿ تَبْغُواْ ﴾.
والثَّاني : أنَّهُ مُتَعَلِّق بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من ﴿ سَبِيلاً ﴾، لأنه في الأصلِ صفة النكرة قُدِّم عليها.

فصل


قال بعضُهُم : معناه : لا تتجنّوا عليهنَّ بقولٍ، أو فِعْلٍ. قال ابْنُ عيينَةَ لا تكِّفوهُنَّ محبتكم، فإنَّ القلب ليس بأيديهن، ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ الله كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ﴾ مُتعلياً عن أنْ يكلّف العبادَ ما لا يُطيقُونَهُ، فلذلك لا تُكلفوهنّ محِبَتَكُم، فإنهن لا يطقنَ ذِلكَ.
وقيل : إنَّهُ مع عُلُوِّهِ، وكبريائه لا يُؤاخِذُ العَاصي إذَا تَابَ، فأنتم أولى إذا تابت المرأةُ من نُشُوزِهَا بأن تقبلوا تَوْبَتَهَا، وقيل : إنَّهُنَّ إن وضعن عن دَفْعِ ظلمكم فاللهُ سبحانه كبيرٌ عليٌّ قاهر يَنْتَصِفُ لَهُنَّ مِنْكُمْ.


الصفحة التالية
Icon