﴿ لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ ﴾ [ البينة : ١ ] خلافاً ليُونُس؛ فإنه أجَازَ ذلك مستدلاً بقوله :[ الطويل ]

١٧٩٩- فَإنْ لَمْ تَكُ المِرْآةِ أبْدَتْ وَسَامَةً فَقَدْ أبْدَتْ [ المِرْآةُ ] جَبْهَةَ ضَيْغَمِ
وهذا عند سيبويه ضرُورةٌ، وإنما حُذِفَت النَّون لغُنّتها وسُكُونِها، فأشْبهت الواو، وهذا بِخلاف سَائِرِ الأفْعال، نحو : لم يَضِنَّ، ولم يَهِنَّ؛ لكثرة اسْتِعْمال « كَانَ »، وكان ينبغي أن تَعُودَ الواو عند حذف هذه النُّون؛ لأنها إنَّما حُذِفَت لالتقاء الساكنين، وقد زالَ ثانيهما وهو النُّونُ؛ إلاَّ أنَّها كالملفوظ بِهَا.
واعلم أن النُّون السَّاكِنَة، إذا وقعت طرفاً تشبه حُرُوف اللِّين، وحُرُوف اللِّين إذا وقعت طرفاً سَقَطت للجزم، وقد جاء القُرْآن بالحَذْف والاثبات :
أما الحَذْف : فهذه الآية.
[ وأما الإثبات ] فكقوله :﴿ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً ﴾ [ النساء : ١٣٥ ].
وقرأ الجمهور ﴿ حَسَنَةً ﴾ نصباً على خَبَر كان النَّاقِصة، واسْمُهَا مستَتِرٌ فيها يَعْود على مِثْقَال، وإنَّما أنْت ضميره حَمْلاً على المَعْنَى؛ لأنه بمعْنَى : وإن تَكُن زِنة ذَرَّة حَسَنة، أو لإضافته إلى مُؤنَّثِ، فاكتَسبَ منه التَّأنِيث.
وقرأ ابن كثير ونافع :« حَسَنَةٌ » رفعاً على أنَّها التَّامَّة، أي : وإن تقع أو تُوجد حَسَنةٌ وقرأ ابن كثير وابن عامرٍ « يضعفها » بالتضعيف، والباقون :« يضاعفها » قال أبو عبيدة ضاعَفَهُ يقتضي مِرَاراً كثيرة، وضَعَّفَ يقتضي مَرَّتَيْن، وهذا عكس كَلاَم العَرب، لأن المُضَاعَفَة تقتَضِي زيادة المِثْل، فإذا شُدِّدت، دَلَّت البنية على التكثير، فيقْتَضي ذلك تَكْرِيرُ المُضاعفة، بحسبِ ما يكون من العَدَدِ.
وقال الفَارِسِيّ : فيها لغتان بمعنى يدُلُّ عليه قوله :﴿ يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ ﴾ [ الأحزاب : ٣٠ ] ﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾ [ البقرة : ٢٤٥ ] وقد تقدَّم ذلك، وقرأ ابن هُرْمُز :« نضاعفها » [ بالنون، وقُرئ « يضعفها » ] بالتَّخْفيف من أضْعَفَه مثل أكْرَمَ.

فصل


قال أبو عُثْمَان لنَّهْدي : بلغني عن أبي هُرَيْرَة؛ أنه قال : إن الله بعطِي عبده المُؤمِن فقلت : بَلَغَني أنك تقول إن الله يُعْطِي عبده المُؤمِن بالحسنة ألف ألف حسنَة، قال أبو هريرة : لم أقُلْ ذلك، ولَكِن قُلْتُ : إن الحَسَنَة تُضاعف بألفي ضِعْف، ثم تلا هذه الآية؛ وقال : قال الله - تعالى :﴿ وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ﴾ لمن يَقْدر قَدْرَه.
قوله :﴿ مِن لَّدُنْهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه مُتَعَلِّق ب « يؤت » و « من » للابْتِدَاءِ مَجَازاً.
والثاني : متعلّقٌ بمْذُوف على أنه حَالٌ من « أجراً »، فإنه صِفَة نكرة في الأصْلِ، قُدِّم عليها فانْتَصَب حالاً.
و « لدن » بمعنى عِنْد، إلا أن « لدن » أكثر تمكيناً، يقول الرَّجُل : عندي مَالٌ، إذا كان [ مَالهِ ] ببلَدٍ آخر، ولا يُقَال : لَدَيّ مالٌ في حالٍ، ولا لَدَيّ إلاَّ لما كان حَاضَراً.


الصفحة التالية
Icon