وقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم : تُسَوَّى [ بضم التَّاءِ، وتخفيف السّين مبنياً للمفعُول، وقرأ حمزة والكِسائي :« تَسَوَّى » ] بفتح التَّاء والتخفيف، ونافع وابن عامر : بالتَّثْقِيل.
فأما القراءة الأولَى، فمعناها : أنَّهم يودُّون أن الله -سبحانه وتعالى- يُسَوِّي بهم الأرض : إمّا على أن الأرْض تَنْشَقُّ وتبتلِعُهم، وتكون البَاءُ بمعنى « عَلَى »، وإما على أنَّهم يودُّون أن لو صارُوا تُرَاباً كالبَهَائِمِ، والأصْل يودُّون أن الله -تعالى- يُسَوِّي بهم الأرض، فَقٌلِبَت إلى هَذَا؛ كقولهم : أدْخَلْتُ القََلُنْسُوَة في رَأسِي، وإمذا على أنَّهم يودُّون لو يُدْفَنُون فيها، وهو كالقَوْلِ الأوَّل. وقيل : لو تُعْدَلُ بهم الأرْضُ، أي : يُؤْخَذ ما عَلَيْها منهم فِدْيَة.
وأما القِرَاءة الثانية : فأصلها « تتسوى » [ بتاءَيْن ]، فحذفت إحداهما، وأدغمت في السّين لقربها منها.
وفي الثَّالِثَة حذفت إحداهما، ومعنى القراءتين ظاهرٌ ممَّا تقدَّم؛ فإن الأقوال الجاريةَ في القراءة الأولى، جاريةٌ في القراءتين الأخيرتَيْن غاية ما في البَابِ أنه نَسَب الفِعْل إلى الأرْض ظاهراً.
قوله :﴿ وَلاَ يَكْتُمُونَ الله ﴾ : وذلك أن هذه الواو تَحْتَمِل أن تكون لِلْعَطْف، وأن تكون للحالِ.
فإن كانت للعَطْف، احْتمل أن تكُون من عطف المفرداتِ، [ وأن تكون من عطف الجُمَلِ، إذا تقرر هذا ]، فقوله :﴿ وَلاَ يَكْتُمُونَ الله ﴾ يجوزُ أن يكون عَطْفاً على مَفْعُول ﴿ يَوَد ﴾ أي : يودذُون تسوية الأرْضِ بهم، وانتفاء كتمان الحديُ، و « لو » على هذا مَصدريَّة، ويبعد جَعْلُها حرفاً لما سيَقَع لوُقُوع غَيْرِه، ويكون و « لا يكتمون » عطفاً على مَفعُول « يود » المحذُوف، فهذان وَجْهَان على تقدِير كَوِنِه من عطف المفردات.
ويجوز أن سكون عَطْفاً على جُمْلة « يود » أخبر -تعالى- عنهم بخبرين :
أحدهما : الودادةُ لِكَذَا.
والثاني : أنهم لا يقدرُون على الكضتْمِ في مواطِنِ دون [ مَوَاطِن ]، و « لو » على هذا مَصدريَّة، ويجوز أن تكون [ لو ] حرْفاً لما سيقع لوقُوع غيره، وجوابُهَا مَحْذوف، ومفعول « يود » أيضاً مَحْذُوف، ويكون « ولا يكتمون » عطفاً على « يود » وما في حيزها، ويكون -تعالى- قد أخبر عَنْهُم بثلاثِ [ جمل ] : الوَدَادَة، وجُمْلَة الشرط ب « لو »، وانتفاء الكِتْمَان، فهذان أيضاً وَجْهَان على تقدير كونِه من عطفة الجُمَل، وإن كانت للحالِ، جاز أن تكُون حالاً من الضمير في « بهم »، والعامِل فيها « تسوى »، ويجوز في « لو » حينئذٍ ان تكون مصدريَّة، وأن تكون امتناعيَّة، والتقدير : يُريدُون تَسْوِيَة الأرْض بهم غير كَاتِمين، أو لَوْ تُسَوَّى بهم غير كَاتِمين لكان ذلك بُغْيَتهم، ويجوز أن تكون حالاً من « الذين كفروا »، والعامل فيها « يود » ويكون الحالُ قيداً في الوَدَادَةِ، و « لو » على هذا مصدريَّة في [ محل ] مفعُول الوَدَادَة، والمعْنَى [ يومئذٍ ] يَودُّ الذين كفرُوا تسوية الأرْض بهم غّير كاتمين الله حَديثاً، ويَبْعد أن تكون « لو » على هذا الوجه امتناعِيَّة، للزوم الفَصْل بين الحَالِ وعامِلِها بالجُمْلَة، و « يكتمون » يتعدى لاثْنَيْن، والظَّاهِر أنه يَصِل إلى أحدهما بالحَرْف، والأصل : ولا يكتُمون من الله حديثاً.