وقال الزَّمَخْشَريّ :« إلا عابري سبيل » استثنَاء من عامَّة أحوال المُخَاطبين، وانتصَابه على الحال.
فإن قُلْت « كيف جَمَع بين هذه الحَال، والحَالِ التي قَبْلَها.
قلت : كأنه قيل : لا تَقْرَبُوا الصَّلاة في حال الجَنابة : إلا ومَعَكُم حالٌ أخْرَى تَعْتَذِرون فيها : السَّفَر وعُبُور السًّبِيل عبارة عَنْه.
والثَّاني : أنه مَنْصُوب على أنه صِفَةٌ لقوله » جنباً « ب » إلاَّ « بمعنى » غبر «، فظهر الإعْرَاب فيما بَعْدَهَا، وسيأتي لهذا مزيد بَيَانٍ عند قوله -تعالى- :﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا ﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ] كأن قيل :» لا تقربوها جنباً غير عابري سبيل «، أي : جُنُباً مُقِيمين غير مَعْذُورين، وهذا معنى وَاضِحٌ على تَفْسير العُبُور بالسَّفر، وهذا قَوْل عَلِيّ وابن عبَّاس، وسَعيد بن جُبَيْرٍ، ومُجَاهِد قالوا : مَعْنَاه إلاَّ أن تكُونُوا مُسَافرين ولا تَجدُون المَاءَ فَتَيَمَّمُوا؛ مَنَع الجُنُب من الصَّلاة [ حتى يَغْتَسِل، إلا أن يَكُونَ في سَفَر ولا يجدهَا فيصلّي بالتيمم وأمَّا من قدَّر مَوَاضِعَ الصَّلاة ] فالمعنى عنده : لا تَقْرَبُوا المَساجِد جُنُباً إلا مُجْتَازين؛ لكونه لا مَمَرَّ سواه، وهو قول عبد الله بن مَسْعُود، وسعيد بن المسيَّب، والحسن، وعِكْرِمَة، والنَّخعِي، والزُّهري، وذلك أن قَوْماً من النْصار، كانت أبوابُهم في المَسْجِد، فتُصيبهم الجَنَابة، ولا مَاء عندهم، ولا مَمَرَّ لهم إلا في المَسْجِد، فَرُخِّصَ لهم في العُبُور، قالوا : والمُراد من الصَّلاةِ؛ لقوله -تعالى- :﴿ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ ﴾ [ الحج : ٤٠ ] والمعنى : لا تَقْرَبُوا المسجد وأنتم جُنُب، إلا مُجْتازين فيه للخُرُوجِ منه، مثل أن يَنَام في المَسْجِد، فَيَجْنُبُ أو تُصِيبُه جَنَابة والماءُ في المَسْجِد، والعُبُور الجَوَاز؛ ومنه :» نَاقَةٌ عُبْرُ الهَوَاجِر « قال :[ الكامل ]
وقوله :» حتى تغتسلوا « ؛ كقوله :» حتى تعلموا « فهي مُتعلَّقة بفعل النَّهِي.١٨٠٤- عَيْرَانَةُ سُبُحُ اليَدَيْنِ شِمِلَّةٌ عُبْرُ الهَوَاجِرِ كالهِزَفِّ الخَاضِبِ
فصل : حكم عبور المسجد للجنب
اختلفوا في عُبُور المَسْجِد للجُنُب، فأبَاح الحَسَنُ ومَالِكٌ والشَّافِعِيُّ المُرور فيه على الأطلاقِ، وهو قَوْل أصْحَاب الرأي، وقال بَعْضُهم : يَتَيَمَّمُ للمرور فيه، وأما المُكْثُ فلا يجوز عند أكْثرِ العُلَمَاء؛ لقول النَّبِي ﷺ » وَجَّهُوا [ هذه البُيُوت عن المَسْجِد ] فَإنِّي لا أُحِلُّ المَسْجِدَ لحائضٍ ولا جُنُبٍ « وجوّز أحْمَدُ المُكْثَ فيه، وضعَّف الحديث؛ لأن رَاويه مَجْهُول.
قوله :» وإن كنتم مرضى « جمع مَريض، وأراد به مَرَضاً يَضُرُّه أساس الماء كالجُدَرِي والقُرُوح العَظيمَة، أو كان على مَوْضِع طَهَارته جِرَاح يخاف من اسْتِعْمَال الماء التَّلف، أو زيادة المَرَضِ، فإنه يُصَلِّي بالتَّيَمُّمِ وإن كان مَوْجُوداً، وإن كان بَعْض أعضاء طهارته صحيحاً والبَعْض جَريحاً، غسل الصَّحيحَ، وتيَمَّم عن الجَرِيح؛ لما رَوَى جَابر؛ قال : خَرَجْنَا في سَفَرٍ، فأصَابَ رَجُلاً منا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ في رَأسِهِ فاحْتَلَم، فسَال أصْحَابَهُ هلْ تجدُون رُخْصَة في التَّيَمُّم؟ قَالُوا : ما نَجِدُ لك رُخْصَة في التَّيَمُّم، وأنت قَتَلَهُم اللهُ إلا سَألُوا إذ لَمْ يَعْلَمُوا، فإنما شِفَاء العيِّ السُّؤالُ، إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعْصِر أو يَعْصِب -شك الراوي- على جُرْحِهِ خِرْقَة، ثم يَمْسَح عليها ويَغْسِل سَائِر جَسَده.