وقال مُجَاهِدٌ : أراد بقوله ﴿ نَّطْمِسَ وُجُوهاً ﴾، أيْ : يترُكهُم في الضَّلاَلَة، فيكون المرادُ طَمْسَ وَجْهِ القَلْبِ، والردَّ عن الهُدَى.
وقال ابنُ زَيْدٍ : نَمْحُو آثَارَهُمْ مِنْ وجُوهِهِم، ونَوَاصيهم التي هم بها وقد لحقَ اليهودَ، ومضى، وتأويل ذلك في إجْلاءِ قُُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ إلى الشَّام، فردَّ اللهُ وُجُوهَهُم على أدْبَارِهم، حين عادوا إلى أذْرِعَاتٍ، وأريحاء من الشامِ.
قوله :﴿ على أَدْبَارِهَآ ﴾ فيه وَجْهَانِ :
أظهرهُمَا : أنَّهُ متعلقٌ ب ﴿ فَنَرُدَّهَا ﴾.
والثَّاني : أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ؛ لأنه حالٌ من المفعولِ في « نلعنهم » يَعُودُ على الوُجُوهِ، على حَذْفِ مُضَاف إلَيْهِ : أيْ : وُجُوم قَوْم، أوْ عَلَى أن يُرادَ بِهمُ : الوُجَهَاءَ والرؤساءَ، أو يعودَ على الَّذين أوتُوا الكِتَابَ، ويطونُ ذلك التِفاتاً مِنْ خَطَابٍ إلى غَيْبَةٍ، وفيه اسْتِدْعاؤهُم للإيمانِ؛ حيثُ لم يُوَاجِهْهُمْ باللَّعْنَةِ بَعْدَ أن شَرَّفَهُم بكوْنِهم مِنْ أهْل الكتابِ.

فصل في المراد باللعن


قال مُقَاتِلٌ، وغَيْرهُ : المرادُ باللَّعْنِ : مَسْخُهُمْ قِرَدَةً، وخَنَازِير، فإنْ قيل : قد كان اللَّعْنُ حَاصِلاً قبل هذا الوعيد. فالجوابُ : إنَّ اللَّعْنَةَ بعد الوعيد، أزْيَدُ تأثيراً في الخِزْيِ، وقيل : المرادُ بهذا اللَّعْن، الطَّرْدُ، والإبْعَادُ [ و ] قولهُ ﴿ وَكَانَ أَمْرُ الله ﴾ : أمرٌ واحدٌ أُريدَ به الأمُورُ، وقيل : هو مصدرٌ واقعٌ موقعَ المفعولِ به، أيْ : مَأمُوره، أي : ما أوْجَدَه كائِنٌ لا مَحَالَة.
قال ابنُ عبَّاس : يريدُ لا رَادَّ لِحُكْمَه، ولا ناقِضَ لأمْرِه، وعلى [ مَعْنَى ] أنه لا يَبْعُدُ عليه شَيءٌ [ يُريدُ ] أن يَفْعَلهُ، وإنَّما قال :﴿ وَكَانَ ﴾ إخباراً عن جريان عادةِ اللهِ في الأنْبِياءِ المتقدَّمِينَ، أنَّه مَتَى أخْبَرَهم بإنْزَال العَذَابِ عليْهم فعل ذلك لا مَحَالة.

فصل : دفع شبهة الجبائي


احتجَّ الجُبَّائِيُّ بهذه الآيةِ على أنَّ كلامَ اللهِ مُحْدَثٌ؛ لأنَّ المفعولَ مَخْلُوقٌ.
فالجوابُ : أنَّ الأمْرَ في اللُّغَةِ، جاءَ بمعنى الشَّأنِ، والطَّريقَةِ، والفِعْلِ؛ قال تعالى :﴿ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾ [ هود : ٩٧ ].


الصفحة التالية
Icon