وقال عليه الصَّلاةُ والسلامُ « يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ القِيَامَةِ أيْنَ الظَّلَمَةُ، فَيُجْمَعُونَ عَلَيْهِ في النَّارِ ».
يحقق ذلك قوله تعالى ﴿ احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ [ الصافات : ٢٢ ] وقوله ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون ﴾ [ إبراهيم : ٤٢ ].
فصل فيما يجب على القاضي نحو الخصمين
يجب على القاضي أن يسوِّي بَيْنَ الخصمين في الدُّخُول عيه، والجُلُوس بَيْنَ يَدَيْهِ، والإقبال عَلَيْهِمَا، والاستماعِ منهما، والحكم بَيْنهُمَا، وينبغي إلا يلقِّنَ أحدهُمَا حُجَّةً، ولا شاهداً شهادته، ولا يلقّن المدّعي الدَّعْوَى، والاستخلافَ، ولا يلقنَ المُدَّعى عليه الإقْرَارَ، ولا الإنْكارَ، ولا يَضِيفَ أحَد الخَصْمَيْنِ دُونَ الأخر، ولا يُجِيبَ هو إضَافَةَ أحدهِمَا، ولا إلى إضافتهما مَا دَاما مُتَخَاصِمَيْنِ، وعليه التَّسْوِيَة بينهما في الأفْعَالِ دون القلب؛ لأنَّهُ لا يمكنُ أنْ يتحرَّز من ميل قلبه.
قوله :﴿ إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ﴾ قد تقدَّمَ الكلامُ على ما المتصلة ب « نعم »، و « بئس » إلا أنَّ ابْن عَطِيَّة نقل هنا نَقْلاً لا يَبْعُدُ مِنْ وَهْمٍ!. قال : و « ما » المُرْدَفَةُ على نعم، وبئس إنَّمَا هي المُهيئَةُ لاتّصَالِ الفِعْلِ كما هي في رُبَّمَا، ومما في قوله : وكان رَسُولُ الله مما يحرك شَفَتَيْه وكقول الشَّاعر :[ الطويل ]
١٨١٣- وإنَّا لَمِمَّا نَضْرِبُ الْكَبْشَ ضَرْبَةً | عَلَى رَأسِهِ تُلْقِي اللِّسَانَ مِنَ الْفَمِ |
قال أبُو حَيَّان وهذا متهافتٌ؛ لأنه من حَيْثُ جعلها مُوَطِّئَةً مُهَيَّئَةً، لا تكونُ أسماء، ومن حَيْثُ جعلها بمعنى الَّذِي يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ اسْماً، فتدافعا.
فصل : في معنى قوله « نعما يعظكم »
المعنى : نِعْمَ شَيئاً يعظكم به، أو نِعْمَ الشَّيء الذي يعظكُم بِه.
والمخصوص بالمدح مَحْذُوفٌ، أي : نِعْمَ ما يَعِظُكُم بِهِ ذلك، وهو المأمور به : من أدَاءِ الأمَانَاتِ والحُكْمِ بالعَدْلِ، أي : بالقسط، ثم قال :﴿ إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾، أي : إذا حكمت بالعدل، فهو يَسْمَعُ ذلِكَ، لأنَّهُ سميعٌ لِكُلّ المَسْمُوعاتِ، وإنْ أدَّيْتَ الأمَانَةَ، فهو بَصِيرٌ بكُلِّ المبصرات يبصر ذلك، وهذا أعْظَمُ أسْبَابِ الوَعْدِ للمطيع، وأعظم أسْبَابِ الوعيدِ للعاصي. وإليه الإشارة بقوله - عليه الصَّلاة والسَّلامُ - « اعْبُد اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ فإنْ لَمْ تكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ ».