لما بين - [ تعالى ] - رغبتَهُم في التَّحَاكُم إلى الطَّاغُوتِ [ بين ] نَفْرَتهم عن التَّحَاكُم إلى الرَّسُولِ، وقد تَقَدَّم الكَلاَمُ على ﴿ تَعَالَوْاْ ﴾ في آل عمران.
قوله :﴿ رَأَيْتَ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما :[ أنها من رُؤيَة البَصَرِ، أي : مُجَاهَرَة وتصْرِيحاً ].
[ والثاني :] أنَّها من رُؤيَة القَلْب، أي عَِلِمْتَ؛ ف ﴿ يَصُدُّونَ ﴾ في محلِّ نَصْبٍ على الحَالِ على القَوْلِ الأوَّلِ، وفي مَحَلِّ المَفْعُول الثَّانِي على الثَّانِي.
وقوله :﴿ صُدُوداً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه اسْم مَصْدَرٍ، والمصْدَر إنما هو الصَّدُّ، وهذا اخْتِيَار ابن عطيَّة، وعزَاه مكِّي للخَلِيل بن أحمد.
والثَّاني : أنه مَصْدر بِنَفْسِه؛ يقال : صَدَّ صَدَّا وصُدُوداً، وال بَعْضُهم : الصُّدُود مَصْدَرُ صَدَّ اللازم، والصَّدُّ مصدرُ صَدَّ المُتَعَدَّي، نحو :﴿ فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل ﴾ [ النمل : ٢٤ ] والفعْل هنا مُتَعَد بالحَرْفِ لا بِنَفْسِه، فلذلك جاءَ مصدَرُه على « فُعُول » ؛ لأن « فُعُولا » غالباً اللازِم، وهذا فيه نَظَر؛ إذا لِقَائِل أن يقُول : هو هُنا مُتَعَدٍّ، غاية ما فيه أنه حَذَفَ المَفْعُول، أي : يَصُدُّون غيرَهُم، أو المُتَحاكِمين عنك صُدُوداً، وأما « فُعُول » فجاء في المُتَعَدِّي، نحو : لَزِمَهُ لُزُوماً، وفَتَنَهُ فُتُوناً.
ومعنى الآية : يعرضون عنك، وذكر المَصْدَر للتَّأكيد والمُبَالَغَةِ؛ كأنه قال : صُدُوداً أيَّ صُدُودٍ.


الصفحة التالية
Icon