فصل : سبب نزول الآية
في سَببِ النُّزُول وَجْهَان :
الأول : أن مَنْ تقَدَّم ذِكْرُه مع المُنَافِقِين، عندما ظَلَمُوا أنْفُسَهُم بالتَّحَاكُمِ إلى الطَّاغُوت، والفِرَار من التَّحَاكُمِ إلى رسُولِ الله - [ ﷺ ]، [ لو جَاءُوا ] للرَّسُول، وأظْهَرُوا النَّدَم على ما فَعَلُوهُ، وتَابُوا عَنْهُ واسْتَغْفَرُوا عنه، واسْتَغْفَر لهم الرَّسُول بأن يَسْألَ اللَّه أن يَغْفر لَهُم، وجَدُوا اللَّه تَوَّاباً رَحِيماً.
الثاني : قال الأصم :« إن قَوْماً من المُنَافِقِين اتَّفَقُوا على كَيْد الرَّسُول -E-، ثمَّ دَخَلُ ا عليه لأجْل [ ذلك الغَرَضِ، فأتَاهُ جِبْرِيل -عليه السلام- فأخبرهُ بِه، فقال ﷺ : إن قوماً ] دَخَلُوا عليه لأجْل يُريدُون أمْراً لا ينَالُونَه، فليقُومُوا وليَسْتَغْفِرُوا اللَّه حَتَّى أسْتَغْفِر لهم، فلَمْ يَقُومُوا، فقال : ألا تَقُومُون؛ فلم يَفْعَلُوا، فقال ﷺ : قُمْ يا فُلانُ، قُمْ يا فُلاَنُ، حَتَّى عدَّ اثْنَيْ عَشَر رَجُلاً منهم، فقاموا وقَالُوا : كُنَّا عَزَمْنَا على ما قُلْتَ، ونَحْنُ نَتُوب إلى اللَّهِ من ظُلْمِنَا أنْفُسِنَا، فاسْتَغْفِرْ لَنَا.
فقال : الآن اخْرُجُوا، أنا كُنْتُ في بَدْءِ الأمْرِ أقْرَبُ إلى الاسْتِغْفَارِ، وكان اللَّهُ أقْرَبُ إلى الإجَابَةِ، اخْرُجُوا عَنِّي ».
فإن قيل : ألَيْسَ لِوَ اسْتَغْفَرُوا اللَّه وتَابُوا على وَجْهٍ [ صَحِيحٍ ]، لكَانَت تَوْبَتُهم مَقْبُولة، فما فَائِدَة ضَمِّ اسْتَغْفَار الرَّسُولِ إلى اسْتِغْفَارِهِم؟
فالجواب من وُجُوهٍ :
أحدُهَا : أن ذلك التَّحَاكُم إلى الطَّاغُوتِ كان مُخَالَفَةً لحُكْمِ اللَّه -تعالى-، وكانَ إسَاءَةً للرَّسُول -عليه السلام- وإدْخَالاً للغَمِّ في قَلْبِهِ، ومن كَانَ ذَنْبُهُ كَذَلِك، وجَبَ عليه الاعْتِذَارُ عن ذَلِك لِغَيْرِه؛ فلهذا المَعْنَى وَجَب عليهم إظهار طَلَب الاسْتِغْفَارِ [ من الرَّسُولِ ].
ثانيها : أنَّهُم لمَّا لم يَرْضوا بحُكْم الرَّسُول -عليه السلام-، ظهر مِنْهُم التمَرُّد، فإذا نَابُوا، وَجَبَ عليهم أن يَفْعَلُوا ما يُزيلُ عنهم ذلك التَّمَرُّد؛ بأن يَذْهَبُوا إلى الرَّسُول ويَطْلُبُوا مِنْهُ الاسْتِغْفار.
وثالثها : أنهم إذا أتَوا بالتَّوْبَةِ أتوا بها على وجْهِ خَلَلٍ، فإذا انْضَمَّ إليها اسْتِغْفَارُ الرَّسُولِ، صارَتْ مُحَقَّقَة القَبُولِ، وهذه الآيَةُ تَدُلُّ على أن اللَّه -تعالى- يَقْبَلُ التَّوْبَة؛ لقوله :« لوجدوا الله تواباً رحيماً ».