﴿ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ ﴾ [ الحديد : ٢٩ ] لتأكِيد وُجُوب العِلْم، و « لا يؤمنون » جواب القَسَم.
فإن قلت : هلاّ زَعَمْتَ أنَّها زَائِدة لتظاهر لا في لا يؤمنون؟ «.
قلت : يَأبَى ذلك اسْتِوَاء النَّفْيِ والإثْبَات فيه؛ [ وذلك لقوله :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ [ الحاقة : ٣٨-٤٠ ] يعني : أنه قد جاءَت » لاَ « قبل القَسَمِ؛ حَيْثُ لم تكُن » لا « موجودة في الجَوَابِ ]، فالزَّمَخْشَرِي يرى : أن » لاَ « في قَوْلِهِ -تعالى- :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ﴾ [ الحاقة : ٣٨ ] أنها زائدَة أيضاً لتأكيدِ مَعْنَى القَسَم، وهو أحَدُ القَوْلَيْن.
والقول الآخر : كَقَوْلِ الطَّّبَرِي المتقَدِّم؛ ومثل الآيَةِ في التَّخَارِيج المَذْكُورة قول الآخر :[ الوافر ]
قوله :» حتى يحكموك « غاية مُتَعلِّقَةٌ بقوله :» لا يؤمنون « أي : ينْتَفِي عنهم الإيمَانُ إلى هَذِه الغَايَةِ، وهي تَحْكِيمُك وَعَدم وُجْدَانِهِم الحَرَج، وتسليمهم لأمْرِك، والتَفَتَ في قوله :» وربك « من الغَيْبَةِ في قوله : واستغفر لهم [ الرسول ] رجُوعاً إلى قوله :﴿ ثُمَّ جَآءُوكَ ﴾ [ النساء : ٦٢ ].١٨٢٠- فَلاَ وَاللَّه لا يُلْفى لما بِي ولا لِلِمَا بِهِمْ أبَداً دَوَاءُ
قوله :﴿ شَجَرَ ﴾ قرأ أبو السَّمَّال :» شَجْرَ « بسكون الجيمِ هَرَباً من تَوَالِي الحَرَكَاتِ، وهي ضَعيفَةٌ؛ لأن الفَتْح أخو السُّكُون، و » بينهم « ظَرْفٌ مَنْصُوبٌ ب ﴿ شَجَرَ ﴾، هذا هو الصَّحيحُ.
وأجاز أبو البَقَاءِ فيه : أن يكُون حالاً، وجعلَ في صَاحِب هذه الحَالِ احْتَمَالَيْنِ :
أحدهما : أن يكون حالاً من » مَا « المْصُوَلَة.
والثاني : أنه حَالٌ من فَاعِل ﴿ شَجَرَ ﴾ وهو نَفْس الموصُول أيضاً في المَعْنَى، فعلى هَذَا يتعلَّق بمَحْذُوفٍ.
فصل في معنى التشاجر
يقال : شَجَر يَشْجُرُ شُجُوراً وشَجْراً : إذا اخْتَلَف واخْتَلَطَ، وشَاجَرَهُ : إذا نَازَعَهُ، وذلك لتداخل [ الكلام بعضه في بعض عند المُنازعةِ، ومنه يقال لخشبات الهَوْدج : شِجَار ]، لتَداخُل بعضها في بعض.
قال أبو مُسلم : وهو مأخُوذٌ عندي من التِفَافِ الشَّجَرِ؛ فإن الشَّجَرَ يتداخلُ بَعضُ أغْصَانه في بَعْضٍ.
قوله ﴿ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ ﴾ عطفُ على ما بَعْدَ » حتى «، و » يجدوا « يحتمل أن تكُون المُتعدِّية لاثْنَين [ فيكون الأوَّل :» حَرَجاً «، والثاني : الجار قَبْلَه، فيتعلَّق بمحذُوفٍ، وأن تكُون المتعدِّية لوَاحِدٍ ] فيجوز في ﴿ في أَنْفُسِهِمْ ﴾ وجْهَان :
أحدهما : أنه مُتعلِّق ب ﴿ يَجِدُواْ ﴾ تعلُّق الفَضَلاتِ.
والثاني : أن يتعلَّق بمَحْذُوفٍ على أنه حَالٌ من ﴿ حَرَجاً ﴾ ؛ لأن صِفَة النَّكِرَة لما قُدِّمَت عليها انْتَصَبت حَالاً.
قوله ﴿ مِّمَّا قَضَيْتَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : نه مُتَعَلِّق بنفس ﴿ حَرَجاً ﴾ ؛ لأنَّك تقُول : خرجْتُ من كَذَا.
والثاني : أنه متعلِّق بمحْذُوفٍ فهو في مَحَلِّ نَصْبٍ؛ لأنه صِفَةٌ ل ﴿ حَرَجاً ﴾، و » مَا « يجُوزُ أن تكون مصدريَّة [ وأن تكُون بمَعْنى الَّذِي، أي : حَرَجاً من قَضَائِك، أو مِن الَّذي قضََيْتَهُ ]، وأن تكون [ نكرة ] موصُوفة، فالعَائِدُ على هَذَيْن القَوْلَيْن مَحْذُوفٌ.