قوله :« فإن أصابتكم [ مصيبة ] أي : قَتْل وهَزيمَة » قال قد أنعم الله علي « بالقعود، و » إذ لم أكن معهم شهيداً «، أي : شَاهِداً حاضراً في تلك الغَزْوَةِ، فيُصِيبُنَي ما أصابَهُم، و » إذا لم أكن « طرف نَاصِبُه :» أنعم الله «، » ولئن أصابكم فضل من الله « أي : ظَفَرٌ وغَنِيمة، » ليقولن « هذا المنافق ﴿ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ ﴾ [ الآية ] الجمهور على فَتْح لاَمِ » ليقولن « لأنَّه فِعْل مُسْنَد إلى ضَمِير » من « مبني على الفَتْحِ لأجل نُون التَّوكِيد، وقرأ الحَسن بِضَمِّها، فأسْند الفِعْل إلى ضَمِير » من « أيضاً [ لكن ] حملاً له على مَعْنَاها؛ لأن قوله :» لمن ليبطئن « في معنى الجماعة والأصْلُ : لَيَقُولُونَنَّ وقد تقدَّم تَصْرِيفُه.
قوله :﴿ كَأَن لَّمْ تَكُنْ ﴾ هذه »
كأن « المُخَفَّفَةُ [ من الثَّقيلَة ] وعملُها باقٍ عند البَصْرِيّين، [ وزعم الكُوفيُّون أنها حين تَخْفِيفها لا تَعْمَل كما لا تعملُ » لَكن « مُخَفَّفَة عند الجُمْهُور، وإعْمَالُها عند البَصْرِيِّين ] غَالباً في ضَمِير الأمْرِ والشَّأن، وهو وَاجِبُ الحَذْفِ، ولا تَعْمَل عِنْدَهُم في ضَمِير غَيْرِ؛ ولا فِي اسْم ظَاهِر إلا ضَرُورةً، كقوله :[ الهزج ]

١٨٢٣- وَصَدْرٍ مُشْرِقِ النَّحْر كَأنَّ ثَدْيَيْه حُقَّانِ
وقول الآخر :[ الطويل ]
١٨٢٤- وَيَوْمَاً تُوَافِينَا بِوَجْهٍ مُقَسَّمٍ كأنْ ظَبْيَةً تَعْطُو إلَى وَارِقِ السُّلَمْ
في إحْدى الرِّوَايات، وظَاهِرِ كلام سَيَبويْه : أنَّها تَعْمَل في غير ضميرِ الشَّأنِ في غير الضَّرُورَة، والجُمْلَة المنْفِيَّة بعدها في مَحَلِّ رَفع خَبَراً لَهَا، والجملة بَعْدَهَا إن كانت فِعليَّة فتكون مُبْدوءَة بِ »
قَدْ « ؛ كقوله :[ الخفيف ]
١٨٢٥- لا يَهُولَنَّكَ اصْطِلاؤُكَ لِلْحَرْ بِ فَمَحْذُورُهَا كَأنْ قَدْ ألَمَّا
أو ب »
لَمْ « كهذه الآية، وقوله :﴿ كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالأمس ﴾ [ يونس : ٢٤ ] وقد تُلُقِيتْ ب » لَمَّا « في قول عمَّار الكلبي :[ الرمل ]
١٨٢٦- بَدَّدَتْ مِنْهَا اللَِّيَالِي شَمْلَهُمْ فَكَأنْ لَمّض يَكُونُوا قَبْلَ ثَمْ
قال أبو حيَّان : ويحتاج مِثْل هذا إلى سَمَاعِ من العَرَبِ، وقال ابن عَطِيَّة :»
وكأن « مُضَمَّنة مَعْنَى التَّشْبيه، ولكنها لَيْسَتْ كالثَّقِيلَةَ في الإحْتِيَاج إلى الاسْم والخَبَر، وإنما تَجيءُ بعدها الجُمَل، وظَاهِرِ هذه العِبَارَة : أنها لا تَعْمَلُ عند تَخْفِيفها، وقد تقدَّم أن ذَلِك قَوْل الكُوفيين لا البَصْرِييِّن، ويُحْتَمَل أنه أراد بذلك أن الجُمْلَة بعدها لا تَتَأثَّر بها لَفْظاً؛ لأن اسْمَهَا مَحْذُوف، والجُمْلَة خَبَرُها.
وقرأ ابن كثير، وحفص من عاصم، ويعقوب :[ يَكُنْ ] بالياء؛ لأن المَوَدَّة في مَعْنَى الوُد [ و ] لأنه قد فُصِلَ بَيْنَها وبَيْن فِعْلِها، والبَاقُون : بالتَّاء اعْتِبَاراً بلَفْظِها.
قال الواحدي : وكِلْتَا القراءَتَين قد جَاء التَّنْزِيل به؛ قال ﴿ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [ يونس : ٥٧ ] وقال :﴿ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ ﴾ [ البقرة : ٢٧٥ ] فالتأنيث هو الأصْلُ، والتَّذْكِير يَحْسُن إذا كان التَّأنِيثُ غير حَقِيقيّ، لا سيِّما إذا وقع فَاصِل بين الفِعْل والفَاعِل، و »
يكُون « يحتمل أن تكُون تَامَِّةٌ، فيتعلق الظَّرْفُ بها، أو بِمَحْذُوفٍ، لأنَّه حالٌ ممن » مودة « إذ هو في الأصْلِ صِفَة نكرة قُدِّم عليها، وأن تكُون نَاقِصة، فيتَعَلَّق الظَّرْف بمحذوفٍ على أنه خَبرَهَا، واخْتَلَفُوا في هَذِه الجُمْلَة على ثلاثةِ أقْوَالٍ :
الأوّل : أنها اعْتِرَاضيَّة لا مَحَلَّ لها من الإعْرَابِ، وعلى هَذَا فما المُعْترض بَيْنَهما؟ فيه وجهان :
أحدهما : أنَّهَا مُعْتَرِضَة بين جُمْلَة الشَّرْطِ التي هِيَ ﴿ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ ﴾ وبين جُمْلَة القَسَم التي هي »
وَلَئِنْ أصَابَكُمْ «، والتَّقْدير :﴿ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ ﴾ قال ﴿ قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً ﴾ كأن لم تكن بينكم [ وبينه مودة، ولئن أصابكُم فَضْل.


الصفحة التالية
Icon