وقيل : للكَواكِب : بُرُوجٌ، لظُهُورِها من بَرِجَ يَبْرِج إذا ظَهَر وارْتَفَع، ومِنْهُ :﴿ ﴾.
وخلقها الله -تعالى- في مَنَازِل للشَّمْس والقَمَر، وقدّره فِيهَا، ورتَّب الأزمِنَة عَلَيْهَا.
قوله :﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِ الله ﴾ نزلت في المُنَافِقينَ واليَهُود؛ وذلك أنَّهم قَالُوا لما قَدِم رسُول الله ﷺ المدِينَةَ : ما زلنا نَعْرِف النَّقْصَ في ثِمَارِنَا ومَزَارِعِنَا مذ قِدَم هَذا الرَّجُل وأصْحَابهُ.
قال الله -تعالى- « وإن تصبهم » يعني : اليهود « حسنة » أي : خصب ورُخص في السِّعْر، « يقولوا هذه من عندنا » لنا ﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾ يعني : الجَدْب وغَلاَء الأسْعَار، « يقولوا من عندك » أي : من شُؤْم محمَّدٍ وأصْحَابه، وكَيْفِيَّة النَّظم : أنَّه -تعالى- لما حَكَى [ عنهم ] كونهم [ متثاقلين عن اجهاد خائفين من الموت راغبين في متاع الدنيا، حكى عنهم ] في هَذِه الآية خَصْلَة أخْرَى أقبَح من الأولى.
وفي النَّظْم وَْه آخَر؛ وهو أنَّ الخَائِفِين من المَوْت، المُتَثَاقِلِين في الجِهَادِ من عَادَتِهِم أنَّهم إذا جَاهَدُوا وقَاتَلُوا، فإن أصَابُوا ظَفَراً أو غَنِيمةً، قالوا : هَذِه من عِنْد الله، وإن أصَابَهُم مَكْرُوه، قالوا : هذه من شُؤْمِ مُصَاحَبة محمَّد ﷺ.
فعلى هذا يكُون المُرَادُ ب « الحسنة » : الظفر والغَنِيمَة يوم بَدْر، وب « السيئة » : القَتْل والهَزِيمة يوم أُحُد، وهذا نَظير قَوله :﴿ فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الحسنة قَالُواْ لَنَا هذه وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ ﴾ [ الأعراف : ١٣١ ].
قال القاضي : القول بأن الحَسَنَة هي الخصب، وأن السَّيِّئَة هي الغلاء، [ هذا ] هو المعتبر، لأن إضافة الخصب والغلاء وكثرة النِّعم وقلَّتِها إلى الله جَائِزَةٌ وأمَّا إضافة النَّصْر والهزيمةِ إلى الله -تعالى-، وهَذَا على مَذْهَبِه ] أمَّا على مَذْهَب أهْل السُّنَّة، فالكل بِقَضَاءِ الله وقدَرِه.

فصل في تفسير الحسنة والسيئة


اعلم أن السِّيِّئَة تَقَع على البَلِيَّة والمَعْصِيَة، والحَسَنة على النِّعْمَة والطَّاعَة؛ قال تعالى :﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات والسيئات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٦٨ ] وقال - [ تعالى- :﴿ إِنَّ ] الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات ﴾ [ هود : ١١٤ ]، وإذا ثبت هذا؛ فنقو : قَوْله :﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ ﴾، وقوله :﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾ يفيد العُمُوم في كُلِّ الحَسَنَات والسَّيِّئات، ثم قال بَعْدَه :﴿ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله ﴾.
فهُنَا تصريحٌ بأنَّ جميع الحَسَنات والسَّيِّئات من الله -تعالى-، ولمَّا ثَبَتَ بما ذكرنا أنَّ الطَّعات والمَعَاصِي دَاخِلَتَانِ تحت اسْم الحَسَنَةِ والسَّيِّئَة، كانت [ الآية ] دالَّة على [ أنَّ ] جميعَ الطَّاعاتِ والمَعَاصي من الله تعالى، وهو المَطْلُوبُ.
[ فإن قيل ] : المرادُ من الحَسَنة والسَّيِّئَة هُنا : لَيْس هو الطَّاعَة والمَعْصِيَة؛ لاتِّفَاق الكُلِّ على أنَّ هذه الآية نَزَلت في الخَصب والجَدْب، فاخْتُصَّتْ بِهِمَا، وأيضاً فالحَسَنة التَّي يُرَاد بها الخَيْر والطَّاعَة [ لا يقال فيها : أصابَتْنِي، إنما يُقَال : أصَبْتُها، وليس في كَلاَم العَرَب أصَابَ فُلان حَسَنَة ]، [ بمعنى : عَمِلَ خَيْرٍ أو أصَابَتْهُ سيِّئة ] بمعنى : عمل مَعْصِيَةٍ، فلو كان المُرَاد ما ذَكَرْتُم، لقَالَ : إن أصَبْتُم حَسَنَةً.


الصفحة التالية
Icon