١٧٥٠- أتَهْجُرُ لَيْلَى بِالفُرَاقِ حَبيبَها وَمَا كَانَ نَفْساً بالفراقِ تَطِيبُ
وقوله :[ الطويل ]
١٧٥١- رَدَدْتُ بِمِثْلِ السَّيدِ نَهْدٍ مُقَلَّصٍ كَمِيشٍ إذَا عِطْفَاهُ مَاءً تَحَلَّبَا
والأصل تطيبُ نفساً، وتحلَّبا ماء، وفي البيتين كلامٌ طويل ليس هذا محلَّه، وحجةُ سيبويه في منع ذلك انَّ التَّمييز فاعل في الأصْلِ، والفاعِلُ لا يَتضقَدَّم، فكذلك ما في قوته، واعترضَ على هذا بنحو : زيداً، من قولك أخرجْتُ زيداً، فإن زيداً في الأصل فاعل قبل النَّقْل، إذ الأصل : خرج زيدٌ والفرق لائح فالتمييز أقسام كثيرة مذكورة في كتب القوم. والجارّان في قوله ﴿ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ ﴾ متعلقان بالفعل قبلهما متضمناً معنى الاعراض، ولذلك عُدِّي ب « عن » كأنَّهُ قيل : فَإن أعْرَضْنَ لَكُمْ عِن شيء منه طيبات النفوس، والفاء في « فَكُلوه » جواب الشرط وهي واجبة، والفاء في « فُكلوه » عائدة على « شيء ».
فإن قيل : لِمَ قال :﴿ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ ﴾ ولم يقل : وَهَبْنَ لَكُمْ أوْ سَمضحْنَ لَكُمْ؟
فالجواب أنَّ المراعى وهو تجافي نفسها عن بالموهوب طيبة ].
قوله :« فكلوه هنيئاً مريئاً ».
في نصب « هَنِيئاً » أربعةُ أقوال :
أحدها : أنَّهُ منصوبٌ على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره : أكْلاّ هنيّئاً.
الثاني : أنه منصوب على الحال من الهاء في « فَكُلُوهُ » أي : مُهَنِّئاً، أي سهلاً.
والثالث : أنه منصوب على الحال بفعل لا يجوز إظهاره ألبتة؛ لأنَّهُ قصد بهذه الحالِ النيابةُ عن فعلها نحو :« أقائماً وَقَدْ قَعَدَ النَّاسُ »، كما ينوب المصدر عن فعله نحو « سَقْياً لَهُ وَرَعْياً ».
الرابع : أنهما صفتان قامتا مقام المصدر المقصود به الدعاءُ النائب عن فعله.
قال الزَّمَخشرِيُّ :« وقد يوقف على » فَكُلُوهُ « ويبتدأ ب » هنيئاً مريئاً « على الدعاء وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام المصدرين؛ كأنه قيل :» هَنْئاً مًرْءاً «.
قال أبو حيان : وهذا تحريف لكلام النُّحاة، وتحريفه هو جَعْلهما أُقِيما مُقام المصدر، فانتصابهما انتصباَ المصدرِ، ولذلك قال : كَأَنَّهُ قيل :»
هَنْئاً مَرْءاً «، فصار كقولك » سٌقْياص لك « و » رَعْياً لك «، وَيَدُلُّ على تحريفه وَصِحَّةِ قول النحاة انَّ المصادرَ المقصودَ بها الدعاء لا ترفع الظاهر، لا تقول :» سقياً اللهَ لك «، ولا :» رعياً الله لك «، وإنْ كانَ ذلك جائزاً في أفعالها، و » هنيئاً مرئياً «، يرفعان الظاهر بدليل قوله :[ الطويل ]
١٧٥٢- هَنِيئاً مَرِيئاً غَيْرَ دَاءٍ مُخامِرٍ لِعِزَّةَ مِنْ أعْرَاضِنَا مَا اسْتَحَلَّتِ
ف »
ما « مرفوع ب » هنيئاً « أو » مريئاً « على الإعمال، وجاز ذلك وَإنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْعَاملين رَبْطٌ بِعَطْفٍ ولا غيره؛ لأن » مريئاً « لا يستعملُ إلاَّ تابعاً ل » هنيئاً « فكأنَّهما عاملٌ واحد.


الصفحة التالية
Icon