الخامس : أنه مُسْتَثْنى من الضَّمِير المَجْرُور في « عَلَيْكُم »، وتأويلُه كتأويل الوَجْه الأول.
السادس : أنه مُسْتَثْنى من فاعل « يستنبطونه »، وتأويله كتأويل الوجه الثَّالث.
السابع : أنه مُسْتَثْنَى من المَصْدَر الدالّ عليه الفعْلُ، والتقدير : لاتَّبَعْتُم الشيطانَ إلا اتِّباعاً قليلاً؛ ذكر ذلك الزَّمَخْشَري.
الثَّامن : أنه مُسْتَثْنَى من المتَّبع فيه، والتقدير : لاتَّبَعْتُم الشيطانَ إلا اتِّباعاً قليلاً؛ ذكر ذلك الزَّمَخْشَري.
الثَّامن : أنه مُسْتَثْنَى من المتَّبع فيه، والتقدير : لاتبعتم الشَّيْطَان كلكم إلا قليلاً من الأمُور كُنْتم لا تتَّبِعُون الشًّيْطَان فيها، فالمعنى : لاتبعتم الشَّيْطان في كل شَيْء إلا في قَليلٍ من الأمُور، فإنكم كُنْتُم لا تتَّبِعُونه فيها، وعلى هَذَا فهو استِثْناء مفرَّغ؛ ذكر ذلك ابن عَطِيَّة، إلا أنَّ في كلامه مناقشةً : وهو أنَّه قال « أي : لاتَّبعتُم الشَّيْطَان كلّكم إلا قَلِيلاً من الأمور كنتم لا تتبعون الشيطان فيها »، فجعله هنا مُسْتَثْنَى من المتَّبعِ فيه المَحْذُوف على ما تَقَدَّم تقريره، وكان تَقَدَّم أنه مُسْتَثْنى من الاتِّباع، فتقديره يؤدِّي إلى اسْتِثْنَائِه من المتَّبَع فيه، وادِّعاؤه أنه استثنَاء من الاتباع، وهما غيران.
التاسع : أن المُرَاد بالقلة العدمُ، يريد : لاتَّبعْتُم الشَّيْطان كلكم وعدمَ تخلُّفِ أحَدٍ منكم؛ نقله ابن عطية عن جَمَاعةٍ وعن الطَّبِري، ورَدَّه بأن اقْتِران القِلَّة بالاسْتِثْنَاء يقتضي دُخُولَها؛ قال :« وهذا كَلاَمٌ قَلِقٌ ولا يشبه ما حَكَى سيبَويْه من قَوْلِهِم :» هذه أرضٌ قَلَّ ما تُنْبِتُ كذا « أي : لا تُنْبِتُ شيئاً ».
وهذا الذي قاله صَحيحٌ، إلا أنه كان تَقَدَّم له في البَقَرَةِ في قوله -تعالى- :﴿ بَل لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ ﴾ [ البقرة : ٨٨ ] أن التَّقْليل هنا بِمَعْنَى العدم، وتقدَّم الردُّ عليه هُنَاك، فَتَنَبَّهَ لهذا المَعْنَى هُنَا ولم ينتبه له هناك.
العاشر : أن المُخَاطب بقوله :« لاتبعتم » جميعُ النَّاس على العُمُوم، والمُرَادُ بالقَلِيل : أمةُ محمَّد ﷺ خاصةً، وأيَّد صَاحِبُ هذا القَوْلِ قوله بقوله -عليه السلام- :« ما أنْتُم في سِوَاكُم من الأمَمِ إلاَّ كالرَّقْمَة البَيْضاء في الثَّور الأسود ».

فصل دلالة الآية على حجية القياس


دلت هذه الآية على أنَّ القياس حُجَّة؛ لأن قوله :﴿ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ صفة لأولي الأمْر، وقد أوْجَبَ الله على الذين يجيئُهُم أمْرَيْن : الأمن، أو الخوف أن يَرْجَعُوا في مَعْرِفَتِه إليهم ولا يَخْلُو إمَّا أن يَرْجِعُوا إليهم في مَعْرِفَة هذه الوَقَائِع مع حُصُول النَّصِّ فيها أوْ لا، والأوَّل باطل؛ لأن من استدلَّ بالنَّصِّ في واقِعَةٍ لا يُقَال : إنه استنبط الحكم؛ فثبت أنه - تعالى- أمَر المكَلَّف بِرَدِّ الوَقِعة إلى من يَسْتَنْبِط الحُكْم فيها، ولَوْلاَ أن الاسْتِنبَاط حُجَّة، لما أمَر المُكَلَّف بذلك؛ فَثَبَت أن الاستِنْبَاط حُجَّة، وإذا ثبت ذلك فَنَقُول : دلت الآيَةُ على أمُورٍ :
منها : أن في الأحْكَام ما لا يُعْرَف بالنَّصِّ، بل بالاستِنْبَاطِ.


الصفحة التالية
Icon