﴿ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]، وقوله هَهُنَا :﴿ والله أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً ﴾ وعسى من الله : جَزْمٌ وَاجِبٌ فلزمه الجِهَاد وإن كان وحده بِخِلاف أمَّته، فإنه فَرْضُ كِفَايَة، فما لَمْ يَغْلِب على الظَّنِّ أنه يُفيد، لم يَجِبْ.
وقوله :﴿ عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ ﴾ أي : قِتَال المُشْركين والبَأس أصله المكرُوه، يقال : ما عَلَيْكَ من هذا الأمْر بَأسٌ، أي : مَكْرُوه، ويقال : والعَذَاب قد يُسَمَّى بأساً؛ لكونه مَكْرُوهَاً؛ قال - تعالى- :﴿ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَآءَنَا ﴾ [ غافر : ٢٩ ]، ﴿ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ ﴾ [ الأنبياء : ١٢ ] ﴿ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾ [ غافر : ٨٤ ]
قوله :﴿ والله أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً ﴾ « بأساً و » تنكيلاً « : تمييز، والتَّنْكِيل تفعيل من النَّكْل وهو القَيْد، ثم اسْتُعْمِل في كُلِّ عذاب يقال : نَكَلْت فُلاناً؛ إذا عَاقَبْتُه عقوبَةً تَنْكِيل غَيْره عن ارتِكَابِ مِثْله، من قَوْلِهِم : نَكَل الرَّجُل عن الشَّيءِ، إذا جَبُن عَنْه وامْتَنَع منه؛ يُقَال : نَكَلَ فلان عن اليَمين؛ إذا خَافَه ولم يُقْدِم عَلَيْه، قال - تعالى- :﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ﴾ [ البقرة : ٦٦ ] وقال في حَدِّ السَّرقَة :﴿ جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله ﴾ [ المائدة : ٣٨ ]، فقوله :﴿ والله أَشَدُّ بَأْساً ﴾ أي : أشد صَوْلَةً وأعظم سُلْطَاناً، يَدُوم، وعذاب الله لا يَقْدِر أحدٌ على التَّخَلُّص مِنْهُ، وعذاب غَيْره يتخلَّص مِنْه.