« أفْشُوا السلام » والأمر للوُجُوب والمَشْهُور أنه سُنَّة. قال بعضهم : السلام سُنَّة على الكِفَايَة.
قوله :« فحيوا » أصل حيُّوا : حَييوا فاستثقلت الضَّمَّةُ على اليَاءِ، فحُذِفَت الضَّمةُ فالتقى ساكنان : الياءُ والواو، فحُذِفَتْ اليَاءُ، وضُمَّ ما قبل الوَاوَ.
وقوله :﴿ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ ﴾ أي : بتحيَّةٍ أحْسَن من تِلْك التَّحِيَّة الأوْلَى.
وقوله :﴿ أَوْ رُدُّوهَآ ﴾ أي رُدُّوا مِثْلَها؛ لأن رَدَّ عينها مُحالٌ فَحذفَ المُضَافُ، نحو :﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ].

فصل في كيفية السلام


مُنْتَهى الأمْر في السَّلام أن يُقَال : السَّلام عليْكُم ورَحْمَة الله وبركاته؛ بدليل أن هَذَا القَدْر هو الوَارِدُ في التَّشَهُّد.
قال العلماء : الأحْسَن أن المُسْلِم إذا قَال : السلام علَيك، رَدَّ في جوابه بالرَّحْمَة، وإذا ذكر السلام والرَّحْمة في الابْتِدَاءِ، زِيدَ في جَوابِه البَرَكَة وإذا ذكر الثلاثة في الابتداء، أعادها في الجَوَاب.
رُوي :« أن رَجُلاً قال للنَّبي ﷺ السلام عليك يا رسُول الله، فقال ﷺ : وعَلَيك السلام ورحْمَة الله وبركاته، وجاء ثَالثٌ وقال : السَّلام عليك وَرحْمَة الله وبركَاتُه : فقال -E- :» وعَلَيْك السلام ورَحْمَة الله وبَرَكَاتُه « فقال الرَّجل : نقصتني فأين قول الله :﴿ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ ﴾ فقال :ﷺ - :» ما تَرَكْتَ لِي فَضْلاً فَرَدَدْنَا عَلَيْكَ مَا ذَكَرْت «.
وقيل : معنى قوله :﴿ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ ﴾ إذا كان الذي يُسَلِّم مُسْلِماً، »
أو ردوها « رُدُّوا مثلها إذا كان غَيْر مُسْلِمٍ.

فصل


يقول المُبْتَدِئ : السلام عليكم، والمجيب يَقُول : وعليْكُم السلام، وإن شاء المُبْتَدِئُ قال : سلامٌ عَلَيْكم؛ لأن التَّعْرِيف والتَّنْكير ورد في ألفاظِ القْرآن كما تَقَدَّم، لكن التَّنْكِير أكْثَر والكل جَائِزٌ، وأما في التَّحْليل من الصَّلاة، فلا بُدَّ من الألف واللامِ بالاتِّفَاقِ.

فصل


قال -E- :»
السُّنَّة أن يُسلِّم الرَّاكِب على المَاشي، وراكب الفَرَسِ على رَاكِب الحِمَارِ، والصَّغير على الكَبِير، والٌلُّ على الأكْثَر، والقَائِم على القَاعِد « والسُّنَّةُ الجَهْر بالسَّلام؛ لقوله -E- :» أفْشُوا السَّلام « قال أبو يوسف : من قال لأخَرٍ : أقْرئ فلاناً مِنِّي السلام وَجَب عليه أنْ يَفْعَل.

فصل


السُّنة : إذا اسْتَقْبلك رَجَلٌ واحد فقل : سلامٌ عليْكُم، واقْصِد الرَّجُل والملكَيْن؛ فإنهما يَرُدَّان السلام عليك، ومن سَلَّم عليه المَلَكُ فقد سَلِمَ من عَذَابِ الله -تعالى-، وإذا دَخَلت بَيْتاً خَالِياً، فَسَلَّم على من فيه من مُؤْمِني الجِنِّ، والسُّنَّة أن يَكون المُبْتَدِئ بالسَّلام على طَهَارَةٍ وكذلك المُجِيبُ.
روي أن رجلاً سلَّم على النَّبِيِّ ﷺ، وهو على قَضَاء الحَاجَةِ، فقام وتَيَمَّمَ ثم رَدَّ السلام، والسُّنَّةُ إذا الْتَقَى الرَّجُلاَن المبادرة بالسَّلام.

فصل : المواضع التي لا يُسلَّم فيها


فأما المواضع التي لا يسَلَّم فيها ثمانيةٌ :
الأوَّل : قال -E- :»
لا تبدَءُوا اليَهُود بالسَّلام «، ورخَّصَ بَعْضَ العُلَمَاءِ في ذلك إذا دَعَت إليه حَاجَة، وأما إذا سَلَّمُوا علينا، فقال أكْثَر العُلَمَاءِ : ينبغي أن يُقَال : وعليْكَ؛ لأنَّهم كانوا يَقُولون عِنْد الدُّخُولِ على الرسول -E- السَّامُ عَلَيْك، فكان -عليه السلام- يَقُول : وعَلَيْكُم، فجرت السُّنَّةُ بذلك، فإذا قُلْنَا : وعليْكُم السَّلام، فهل يجوز ذِكْر الرَّحْمَة؟ قال الحَسَن : يجُوز أن يُقال للكافِرِ : وعَلَيْكُم السلامَ، ولكن لا يُقَال : ورَحْمَة اللهِ؛ لأنها اسْتِغْفَارٌ.


الصفحة التالية
Icon