١٨٦٠- لَلًبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي ..................................
يعني : كَأنَّ المَصْدَر المَفْعُولَ ب « يود » ملْفُوظٌ به، والمصدرُ المقدَّرُ ب « أن » والفِعْلِ، وإلاَّ فالمصْدرُ المَحْذُوفُ ليس مَلْفوظاً به، إلا بِهَذَا التَّأويلِ المذكُورِ، بل المَنْقُولُ أنَّ الفِعلَ ينْتَصِبُ على جَوَابِ التَّمنِّي، إذا كان بالحَرْفِ، نحو :« ليت »، و « لو » و « ألا » إذا أشْرِبتا مَعْنَى التَّمنِّي.
وفيما قاله أبُو حَيَّان نظر؛ لأن الزَّمَخْشَرِيَّ لم يَعْنِ ب « التمني » المفهوم من فِعْل الودادة، بل المَفْهُومَ من لفظ « لو » المُشعرةِ بالتمني، وقد جاء النَّصْب في جوابها؛ كقوله :﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ ﴾ [ الشعراء : ١٠٢ ]، وقد قدَّمْتُ تَحْقِيقَ هذه المَسْألَةِ، فظهر قول الزَّمَخْشَرِي من غير توقُّفٍ، و « سواء » : خبر « تكونون » وهو في الأصْل مَصْدرٌ واقعٌ مَوْقعَ اسْمِ الفَاعِلِ، بمعنى مُستوبن؛ ولذلِك وُحّد، نحو :« رجال عدل ».
لمَّا اسْتَعْظَم قولهم :﴿ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ الله ﴾ على سَبِيل الإنْكَارِ عَقب ذِكْر الاسْتبعاد، بأن قال : إنَّهم بلغُوا في الكُفْر إلى أنَّهم يَتَمنُّون أن تَصِيرُوا أيُّها المُسْلِمُون كُفَّاراً، فلما بَلَغُوا في تعصُّبهم في الكُفْر إلى هذا الحَدّ، فكيف تَطْمَعُون في إيمانِهِم.
ثم قال :﴿ فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حتى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ الله ﴾ مَعَكُم.
قال عكرمة : هي هِجْرة أخرى والهِجْرة على ثَلاثَة أوْجُه :
هجرة المُؤمنين في أوَّلِ الإسْلام، وهي قوله :﴿ لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ ﴾ [ الحشر : ٨ ] وقوله :﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ﴾ [ النساء : ١٠٠ ] ونحوهما.
وهجرة المؤمنين وهي الخُرُوجُ في سَبِيلِ اللهِ مع رسُول الله صَابِراً محتَسِباً، كما حكى هَهُنَا، مَنَعَ من مُوالاتهم حَتَّى يُهَاجِرُوا في سَبِيل الله.
وهجرة سَائر المُؤمنين : وهي ما قَالَ النَّبِيُّ ﷺ :« المُهَاجِر من هجر مَا نَهَى الله عَنْه ».
قال أبو بكر الرَّازِي : التقدير : حتى يُسْلِمُوا ويُهَاجِرُوا؛ لأن الهِجْرَة في سَبِيل الله لا تكون إلا بَعْد الإسْلاَم، فدلَّت الآيَةُ على إيجَاب الهِجْرة بعد الإسْلام، وأنَّهم وإن أسلَمُوا لَمْ يكُن بينَنَا وبَيْنَهم موالاةٌ إلا بَعْد الهِجْرَة؛ لقوله - [ تعالى ] - :﴿ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حتى يُهَاجِرُواْ ﴾ [ الأنفال : ٧٢ ] وقال رسول الله ﷺ :« أنَا بَرِيءٌ من كل مُسْلِم أقَامَ بَيْن أظْهُر المُشْرِكِين » وهذا التَّكْلِيفُ إنَّما كان لازِماً حَيْث كانَت الهِجْرة وَاجِبَةٌ مَفْروضة، فلمَّا فتحت مَكَّة، نُسِخ ذلك، قال رسُول الله صلى الله يوم فتح مكة :« لا هِجْرَة [ وَاجِبَة مَفْرُوضة ] بعد الفَتْح، ولَكِنْ جِهَادٌ ونِيَّةٌ ».
ورُوي عن الحَسَن : أن حُكْم الآيَة ثَابِتٌ [ في كُلِّ ] من أقَام في دَارِ الحَرْب. قال ابن الخَطِيب : الهِجْرَة تحصل تارةً بالانْتِقَالِ من جَارِ الكُفْرِ إلى دَارِ الإسْلام، وأخْرَى تَحْصُل بالانْتِقَال عن أعْمَال الكُفَّار إلى أعْمَال المُسْلِمين، قال -E- :


الصفحة التالية
Icon