انتهى.
وَهَنَا يضهْنَا بغير همز - لغة ثانية أيضاً - وقرأ أبو جعفر :« هنيّاً مريّاً »، بتشديد الياء فيهما من غير همزة، كذلك « بري » و « بريون » و « بريَّا »، ويقال : هَنَأَني الطعامُ ومرأني، وإن أفردت « مَرَأنِي »، وهذا كما قالوا : أخَذَهُ ما قَدُمَ وَمَا حَدُثَ، بضم الدَّال من « حدث » مشاكلة ل « قَدُمَ »، ولو أُفرد لم يستعمل إلاَّ مفتوح الدال، وله نظائر أخر، ويقال : هَنَأتُ الرجل أهْنِئُهُ بكسر العين في المضارع أي : أعطيته. واشتقاق الهنيء من الهِناء، وهو ما يُطْلَى به البَعير للجرب كالقطران قال :[ الطويل ]
١٧٥٣- مُتَبَدِّلاً تَبْدُو مَحَاسِنُهُ | يَضَعُ الْهَنَاءَ مَوَاضِعَ النُّقْبِ |
فصل في دلالة الآية على أمور
دَلَّت الآية الكريمة على أمور :
منها انَّ المهر لها ولا حق للولي فيه.
ومنها جواز هبتها للمهر قبل القبضِ؛ لأن الله تعالى لم يفرق بين الحالين.
فإن قيل : قوله :« فكلوه هنيئاً مريئاً » يتناول ما إذا كان المهر عيناً، أما إذا كان ديناً فالآية غير متناولة له لأنَّهُ لا يقال لما في الذمة كُلْهُ مريئاً.
فالجواب أن المراد بقوله « هنيئاً مريئاً » ليس نفس الكل، بل المراد منه كل التصرفات، وإنما خَصَّ الأكل بالذكر، لأنَّهُ معظم المقصود من المال لقوله ﴿ إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً ﴾ بالنساء : ١٠ ] وقوله :﴿ لاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل ﴾ [ النساء : ٢٩ ].
فصل
قال بعض العلماء : إن وهبت ثم طلبت بعد الهبة، علم أنها لم تطب عنه نفساً، وعن الشعبي : أن امرأة جاءت مع زوجها إلى شُريح في عَطِيَّة أعْطَتْهَا إيَّاهُ، وَهِيَ تطلب الرجوع، فقال شُرَيْح : رُدَّ عَلَيْهَا، فقال الرجل : أليس قد قال الله تعالى ﴿ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ ﴾، فقال : لو طابت نفسها عنه ما رجعت فيه.
وروي عنه أيضاً : أقيلها فيما وهبت ولا أقليه؛ لأنهن يخدعن.
وَرُوِيَ أنَّ رجلاً من آل أبي معيطٍ أعطته امرأته ألف دينار صداقاً كان لها عليه، فلبثت شهراً ثم طلقها، فخاصمته إلى عبد الملك بن مروان، فقال الرَّجُلُ : أعْطَتْنِي طيبة به نفسها، فقال عبدُ الملك : فإن الآية التي بَعْدَهَا ﴿ فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً ﴾ [ النساء : ٢٠ ] أردد عليها.
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كتب إلى قُضاتِه : إن النساءَ يُعْطين رَغْبَةً ورهبة، وَأَيُّمَا امرأة أعطته ثم أرادت أن ترجع فذلك لها.