« المُؤمِنُون تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُم » أريد به الأحْرَار خَاصَّة، والجُمْهُور على ذلك، وإذا لم يَكُن قِصَاصٌ بين العَبيد والأحْرار فيما دُونَ النَّفْسِ، فالنفس أحْرَى بذلك، وقد مَضَى هذا في البَقَرَةِ.
قوله :﴿ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ « خطأ » إما مَنْصُوب على المَصْدَر، أي : قتلاً خطأ، وإما على [ أنَّه ] مصدرٌ في مَوْضِع [ الحال ] أي ذا خَطَأٍ أو خاطئاً والفَاء في قوله :« فتحرير » جوابُ الشَّرْطِ، أو زائِدَةٌ في الخَبَر إن كَانَت « من » بمعنى الَّذِي، وارتِفَاعُ « تحرير » : إمَّا على الفَاعِليَّةِ، أي : فيجبُ عليْه تَحْرِير، وإمَّا على الابتدائِيَّة، والخبر مَحْذُوف أي : فعليه تحرير أو بالعكس، أي : فالوَاجِبُ تَحْرِيرُ، والتحرير عبارةٌ عن جَعْلِهِ حُرَّا والحُرُّ هو الخَالِصُ، ولما كان الإنْسَان في أصْلِ الخلقة خُلِقَ لِيَكُون مالكاً للأشْيَاءِ، لقوله تعالى :﴿ خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً ﴾ [ البقرة : ٢٩ ] فكونه مَمْلُوكاً صفة تُكَدَّر مقتضى الإنْسَانِيَّة، فسميت إزالة المُلْكِ تَحْرِيراً، أي : تخليصاً لذلك الإنْسَان عما يُكَدِّر إنْسَانيَّتَهُ، والرَّقبة عبارَةٌ عن النَّسَمَة في قولهم :« فُلان يَمْلِك كَذَا رَأساً من الرَّقِيق ».
والدِّيَةُ في الأصْلِ مَصْدر، ثم أطلَقَ على المالِ المَأخُوذ في القتل، ولذلك قال :﴿ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ ﴾، والفعلُ لا يُسَلَّمُ بل الأعٍيَان، تقول : وَدَى يَدِي دِيَةً ووَدْياً، كوشَى يَشِي شِيَةٌ، فحذفت فَاءُ الكَلِمَة، ونَظِيرُه في الصَّحيح اللام :« زِنة » و « عِدة »، و « إلى أهله » متعلَّق ب « مسلمة » تقول : سَلَّمت إليه كَذَا، ويجُوز أن يكون صِفَةً ل « مسلمة » وفيه ضَعْفٌ.

فصل الخلاف في القصاص للقتل العمد


معنى [ الآية ] فِعلية رقبة مُؤمِنَة كَفَّارة وَدِية كَامِلَة ﴿ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ ﴾ أي : إلأى أهْل القتيل الذين يَرِثُونه، « إلا أن [ يصدقوا ». أي :] يتصدَّقُوا بالدِّيَة فيَعفوا ويَتْرُكُوا الدِّيَة، واختلفوا في قتل العمد :
فقال أبو حنيفة : لا يُوجِب الكَفَّارة؛ لهذه الآيَة فقال :« ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير [ » رقبة « ] شرط لوجوب الكَفَّارةِ كونه خطأ، وعند انتفاء الشَّرْط لا يَحْصل المَشْرُوط.
وقال الشَّافِعِيُّ : تجب الكفَّارة؛ لما رَوَى واثِلة بن الأسْقَع، قال : أتَيا رسُول الله ﷺ في صَاحِب لَنَا أوجب النَّار بالقَتْلِ، فقال : أعْتِقُوا عنه يَعْتِقُ الله بِكُلِّ عُضْوٍ منه عَضْواً منه [ من النَّار ] ولأن الكَفَّارة في قَتْل الصَّيْد في الحَرَمِ والإحْرَام، يستوي فيه العَامِدُ والخَاطِئُ [ إلا ] في الإثْمِ فَكَذَا في قَتْل المُؤمِنِ.

فصل


قال ابن عبَّاس، والحَسَن، والشَّعْبي، والنَّخْعِي : لا تجزئ الدِّيَة إلا إذا صًام وصَلَّى، لأنه وَصَفَها بالإيمَانِ، والإيمانً : إمَّا التَّصْديقُ، وإمَّا العَمَلُ، وإمَّا المجْمُوع والكل فائِت عن الصَّبي.


الصفحة التالية
Icon