١٨٦٤- وأنَّي مَتَى أوْعَدْتُهُ أوْ وَعَدْتُهُ | لَمُخْلِفُ إيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدي |
وذكر الوَاحِدِي : أن الأصْحَاب سلكوا في الجَوَابِ عن هَذِه الآيَة طُرُقاً كَثِيرة، قال : وأنَا لا أرْتَضِي شَيْئاً منها؛ لأنّ الذي ذَكَرُوا إما تَخْصِيصٌ، وإما معَارَضَة، وإما إضْمار، واللَّفظ لا يَدُلُّ على شيء من ذَلِك، قال : والَّذي اعْتَمَدُوه وجهان :
الأول : إجْماع المفسِّرين على أن الآيَة نزلت في كَافِرٍ قتل مُؤْمِناً، ثم ذكر تِلْك القِصَّة.
والثاني : أن قوله :﴿ فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ ﴾ معناه الاسْتِقْبَال، والتقدير : إنه سيجزى بجهنم، وهذا وعيد، قال : وخُلْفُ الوَعِيد كَرَم.
قال ابن الخَطِيب : والوَجْه ضعيفٌ؛ لأن العِبْرة بعُمومِ اللَّفْظ لا بخصوص السَّبَبِ، وأيضاً ثَبَتَ في أصُول الفِقْهِ؛ أن [ ترتيب ] الحُكْم على الوَصْفِ المُنِاسِب، يدلُّ على كَوْن ذلك الحُكْم علَِّة لذلِك؛ كقوله :﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [ المائدة : ٣٨ ]، و ﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ﴾ [ النور : ٢ ]، دلَّ ذَلِك على أن المُوجِبَ لهذا الوَعِيد هو الكُفْر دون القَتْلِ العَمْد، وإن كَان المُوجبُ هو الكُفْر، وكان الكُفْر حَاصِلاً قبل هذا القَتْل، فحينئذ لا يَكُون للقَتْل أثراً ألْبَتَّة في هذا الوَعِيد، ويكُون هذا الكلام جَارياً مُجْرَى قوله من [ يتعمد قَتْل ] نفس فجزاؤه جَهَنم خَالِداً فيها؛ لأن القَتْل العَمْد ما لم يكُن له أثر في الوَعِيد، وذلك بَاطِل، وإن كان المُوجِب لهذا الوعيد [ كونه ] قَتْلاً عَمْداً، فلزم أن يُقَال : أيْنَمَا حصل القَتْل العَمْد، حصل هذا الوعيد؛ فثبت أن هذا الوَجْه الذش ارتَضَاه الوَاحِدِيّ ليس بِشَيْء.
وأما الوحه الثاني : فهو في غَايَة الفَسَادِ؛ لأن الوعيدَ قَسْمٌ من أقْسَام الخَبَر، فإذا جَوَّزْنا الخُلْف فيه على الله، فقد جَوَّزْنا الكَذِب على الله -تعالى- يوصِلُ هذا الجَزَاءَ إلَيْه أم لا، وقد يقُول الرَّجُل لعَبْدِه : جزاؤُكَ أن أفْعَلَ بك كَذَا وكَذَا، إلا أنِّي لا أفعَلُ، وهذا الجوابُ أيضاً ضَعِيفٌ، لأنَّه ثبت بهذه الآيةِ أن جزاء القَتْل العَمْد هو ما ذُكِر، وثبت بسَائر الآيَاتِ أنه -تعالى- يوصل الجَزَاء إلى المسَحِقِّين؛ قال -تعالى- :