والسّلامةُ والسَّلَمُ - بفتحهما- الانقِيَاد فقط، وكذا « السَّلْم » بالكسر والسُّكُون، وقرأ الجَحْدري بفتحها وسُكُون اللام، وقد تَقَدَّم [ القول فيها ] في البقرة، والجُمْلَة من قوله :« لست مؤمناً » في محل نَصْب بالقَوْل؛ والجُمْهُور على كَسْر الميم الثَّانِية من « مؤمناً » اسم فاعل، وأبو جعفر بفتحها اسم مَفْعُول، أي : لا نُؤمِّنك في نَفْسِك، وتُرْوَى هذه القِرَاءَة عن عَلِيٍّ وابن عبَّاس ويَحْيَى بن يَعْمُر.
قوله :« تبتغون » في محل نَصْبٍ على الحَالِ من فَاعِل « يقولوا » أي : لا تَقُولوا ذلك مُبْتَعِين.
فصل
ذَكُروا في سَبَب النُّزُول روايتين :
الأولى : أن الآية نزلت في « رجُلٍ من بَنِي مُرَّة بن عَوْف، يقال له : مرداس بن نهيك رَجُل من أهْل فدك، أسْلَم ولم يُسْلِم من قومِهِ غيره، فَسَمِعُوا [ بسرية ] رسول الله ﷺ تُريدهم، وكان على السَّريَّة رجُلٌ يقال له : غَالِبُ بن فَضَالَة اللَّيْثي، فهربوا وأقَام الرَّجُل؛ لأنَّه كان مُسْلِماً، فلما رأى الخيل خَافَ أن يكُونُوا من غَيْر أصْحَاب رسول الله ﷺ [ فألْجأ غَنَمَه إلى عاقُول من الجَبَل وصعد هو الجبل، فلمَّا تلاحَقُوا وكثروا، سَمِعَهُم يكَبِّرون، فلما سمع التكبير، عَرَف أنهم من أصْحَاب رسُول الله ﷺ فكَبَّر ونَزَل ] وهو يقول : لا إله إلا الله [ محمد رسُول الله ]، السلام عليكم، فتغشّاه أسَامةُ بن زيْدٍ فَقَتَلَهُ واسْتاق غَنَمه، ثم رَجَعُوا إلى رسول الله ﷺ فأخبروه، فوجَدَ عليه وَجْداً شديداً، وقد [ كان ] سَبَقَهُم قبل ذلك الخَبَر، فقال رسول الله ﷺ » قتلتموه إرادة ما معه؟ « ثم قرأ الآية على أُسَامَة بن زَيْد، فقال : يا رسول الله، اسْتَغْفِرْ لي، فقال : فكيف تَصْنَعُ بلا إله إلا الله؟
قال أسامة : فما زال يُعِيدُها حتى وَدِدْت أنِّي لم أكُنْ أسْلَمت إلاّ يَومْئذٍ، ثم استَغْفَر لي وقال :» أعتق رقبة «.
ورَوَى أبو ظبيان عن أسَامة؛ قال : قلت يا رسُول اللهِ؛ إنما قَالَها خوْفاً من السِّلاح، قال :» أفَلا شَقَقْتَ عن قَلْبِه، حَتَّى تَعْلَم أقالَهَا أمْ لا «.
الثانية : روى عِكْرمة عن ابن عبَّاسٍ؛ قال : مرَّ رجلٌ من بَنِي سليم على نَفَرٍ من أصْحَاب رسُول الله ﷺ، ومعه غَنَمٌ له فسلَّم عليهم، قالوا : ما سلَّم عليكم إلا ليتعوذ مِنْكُم، فقاموا فقتلُوه وأخَذُوا غَنَمَه، فأتَوْا بها إلى رسُول اللَّه ﷺ فأنزل اللَّهُ هَذِه الآيَة :
الثالثة :» أن المِقْدَاد بن الأسْوَد وقعت له وَاقِعَة مثل وَاقِعَة أُسَامة، قال : فقلت يا رسول اللَّه، أرأيت إن لَقِيتُ رجُلاً من الكُفَّار يقاتِلُنِي، فَضَربَ إحْدَى يَدَيَّ بالسَّيْف، ثم لازمني بشجرةٍ، ثم قال : أسْلَمْتُ لله -تعالى-، أفأقاتِلُه يا رسُول الله بَعْد ذَلِك؟ فقال رسُول اللَّه ﷺ : لا تَقْتُلْهُ، فقال : يا رسُول الله إنه قَطَعَ يَدِي، فقال -E- : لا تَقَتْلُه، فإن قَتَلْتَهُ، فإنه بمنزِلَتِك بعد أن تَقْتُلَهُ، وأنت بِمَنْزِلَِتِه قبل أن يَقُول كَلِمَتَهُ التي قَالَها «.