« ألا إنَّما خُلِقَت النَّارُ للسُّفَهاء، يقولها [ ثلاثاً ] ألا وإن السُّفهاء النِّساء، [ إلاّ امرأة أطاعت قيّمها » ].
وقال الزَّمخشريُّ وابن زيد : والسُّفهاء ههنا السفهاء عن من الأولاد، ويقول : لا تعط مالك [ الذي هو قيامك ] ولدك السَّفيه فيفسده. وقال ابن عباس والحسن وقتادة وسعيد بن جبير : هم النِّساء [ والصبيان ] إذا علم الرجل أنَّ امرأته سفيهةٌ مُفْسِدةٌ، وَأنَّ ولده سفيه مفسد، فلا يسلط واحداً منهما على ماله.
وقيل : المرادُ بالسُّفهاء كل من لم يحفظ المال للمصلحة من النِّسَاءِ والصبيان والأيتام، وكلُّ من اتَّصف بهذه الصفة؛ لأنَّ التَّخصيص بغير دليل لا يجوز، وقد تقدَّم في « البقرة » أنَّ السَّفه خفة العقل ولذلك سُمِّي الفاسق سفيهاً، لأنه لا وزن له عند أهل العلم والدين، ويسمى النَّاقص العقل سفيهاً لخفة عقله.
فصل في دلالة الآية في الحجر على السفيه
قال القرطبيُّ : دلت هذه على جواز الحجر على السَّفيه لقوله تعالى :﴿ وَلاَ تُؤْتُواْ السفهآء أَمْوَالَكُمُ ﴾، وقوله :﴿ فَإن كَانَ الذي عَلَيْهِ الحق سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً ﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ] فأثبت الولاية على السَّفيه كما أثبتها على الضَّعيف، والمراد بالضَّعيف في الآية الضَّعيف الْعَقْلِ لصغرِ أو مرض.
فصل في حال السفيه قبل الحجر عليه
[ قال القرطبيُّ ] : واختلفوا في حال السَّفيه قبل الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فقال مالك وأكثر أصحابه : إنَّ فعل السَّفيه وأمره كُلّهُ جائز، حتى يحجر عليه الإمامُ، وهو مذهب الشَّافعيِّ وأبي يوسف.
وقال ابن القَاسِم : أفعاله غير جائزة، وإن لم يضرب الإمام على يَدِهِ.
فصل : في الحجر على الكبير
واختلفوا في الحجر على الكبير، فقال مالك وجمهورُ الفقهاء : يحجر عليه.
وقال أبو حَنِيفَةَ : لا يحجر على من بلغ عاقلاً إلا ان يكون مُفسداً لماله، فإذا كان كذلك منع من تسلميهم المالَ حتى يبلغ [ خمساً وعشرين سنة، فإذا بلغها ]، سُلِّمَ إليه المال بكل حالٍ، سواء كان مُفْسِداً، أو غير مفسد؛ لأنَّه يُحبَلُ منه لاثنتي عشرة سنة، ثم يُولد له لِستَّةِ أشهرٍ فيصير جَدَّاً وأباً، وأنا أستحي أن أحجر على مَنْ يصلح أن يكون جَدَّاً.
فصل في الخطاب في الآية
في هذا الخطاب قولان :
الأوَّلُ : أنَّهُ خطاب الأولياء بأن يُؤتُوا السُّفهاء الذين تحت ولايتهم أموالهم لقوله تعالى :﴿ وارزقوهم فِيهَا واكسوهم ﴾ [ النساء : ٥ ] وبه يصلح نظمُ الآيةِ مع ما قَبلها.
فإن قيلَ : فكان ينبغي على هذا ان يقال : ولا يؤتوا السُّفَهَاء أموالهم.
فالجوابُ من وجهين :
أحدهما : أنَّه تعالى أضاف المال إليهم، لا لأنَّهم ملكوه، لكن من حيث ملكوا التصرف فيه، ويكفي في الإضافة الملابسة بأدنى سبب.
وثانيهما : إنَّما حَسًنَتِ هذه الإضافَةُ إجراءاً للوحدة بالنَّوع مجرى الوحدة بالشخص كقوله تعالى :﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ] ﴿ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم ﴾ [ النساء : ٢٥ ] ﴿ فاقتلوا أَنفُسَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٥٤ ] وقوله :﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٨٥ ] ومعلوم أنَّ الرَّجل منهم ما كان يقتل نفسه، وإنَّمَا كان يقتل بعضهم بعضاً، وكان الكلُّ من نَوْع واحدٍ، فكا ها هنا لما كان المال ينتفع به نَوْع الإنسان، ويحتاج إليه، فلأجل هذه الوَحْدَة النَّوعيَّة حسنت إضافة أموال السُّفهاء إلى الأولياء.