لما أمر بدفع مال اليتيم إليه، بيَّن هنا متى يؤتيهم أموالهم، وشرَطَ في دفع أموالهم إليهم شرطين :
أحدهما : بلوغ النكاح.
والثًَّاني : إينَاسِ الرُّشد.
في « حتى » هذه وما أشبهها أعني الداخلة على « إذا » قولان :
أشهرهما : أنَّها حرف غاية، دخلت على الجملة الشَّرطيَّة وجوابها، والمعنى : وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم، واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم، بشرط إيناس الرُّشد، فهي حرف ابتداء كالدَّاخلة على سائِرِ الجمل كقوله :[ الطويل ]
١٧٥٤- فَمَا زَالَتِ القَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا | بِدجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دَجْلَةَ أشْكَلُ |
١٧٥٥- سَرَيْتُ بِهِمْ حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ | وَحَتَّى الْجِيَادُ مَا يُقَدْنَ بأرْسَانِ |
قال أبُو حيان : وكلامُه يُدلُّ على أنها تكون ظرفاً مجرداً، ليس فيها معنى الشَّرط، وهو مخالف للنَّحويين، فإنَّهم كالمجمعين على أنها [ ظرف ] فيها معنى الشِّرط غالباً، وإن وُجِدَ في عبارةِ بعضهم ما يَنْفَى كونها أداة شرطٍ، فإنَّما أنها لا يجزم بها، إلاَّ أنها لا تكون شرطاً، وقَدَّرَ بعضهم مضافاً قال : تقديره يبلغوا حَدَّ النكاحِ أو وقته، والظَّاهرُ أنها لا تحتاج إليه، والمعنى : صَلَحوا للنكاح.
فصل في معنى الابتلاء وكيفيته
والابتلاءُ : الاختيارُ، أي اختبروهم في عقولهم وإدراكهم، ، وحفظهم أموالهم. نزلت في ثابت بن رفاعة، مات أبُوهُ رفاعةُ وتركه صغيراً عند عمه، فجاء عمُّه إلى رسول الله ﷺ وقال : إن ابن أخي يتيم في حجري، فما يَحِلُّ لي مِنْ ماله، ومتى أدفع إليه ماله؟ فنزلت هذه الآية.
قال سعيد بن جبير ومجاهد والشَّعبيُّ :« لا يدفع إليه ماله، وإنْ كان شيخاً حتى يؤنس رشده »، فالابتلاءُ باختلاف أحوالهم، فإن كان مِمَّنْ يتصرف في السوق فيدفع الولي إليه شيئاً من المال، وينظر في تَصَرُّفه، وإن كان ممَّن لا يتصرف فيختبره في نفقة داره، والإنفاق على عبيده وأجرائه وتُخْتبر المرأة في أمر بيتها وحفظ متاعها وغزلها واستغزالها فإذَا رأى حسن تصرُّفه وتدبيره مراراً حيث يغلب على الظن رشده دفع إليه المال.