أمر بالاسْتِغْفَار على طَرِيق التَّسْبِيحِ؛ كالرجل يَقُول : أسْتَغْفِر اللَّه، على وجْه التَّسْبِيح من غَيْر أن يَقْصِد تَوْبةً من ذَنْبٍ.
وقيل : الخِطَاب للنَّبِي ﷺ، والمراد : ابن أبَيْرقِ؛ كقوله :﴿ ياا أَيُّهَا النبي اتق الله ﴾ [ الأحزاب : ١ ] [ وقوله :﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ ﴾ [ يونس : ٩٤ ] والمراد بالذين يختانون طعمة ومن عاوَنَهُ من قَوْمِه، والاخْتِيَان : كالخِيَانَةِ؛ يقال : خَانَهُ واخْتَانَهُ، وقد تقدَّم عِنْد قوْله :﴿ عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ]، [ وإنما قال لطعمة وللذَّابِّين عنه : إنهم يختَانُون أنفُسَهُم ] ؛ لأن مَنْ قدم على المَعْصِيَة، فقد حَرَمَ نفسه الثَّوَابَ، وأوصَلَهَا إلى العِقَاب، فكان ذلك مِنْهُ خِيَانة لِنَفْسِهِ؛ ولِهَذا المَعْنَى، قيل لِمَن ظَلَم غيره : إنَّه ظلم نَفْسَه، وفي الآيَة تهديدٌ شَدِيدٌ على إعانَة الظَّالِم؛ لأن الله - تعالى - عاتب النَّبيَّ ﷺ على همِّه بإعَانَة طعمة، مع أنَّه لم يَكُن عَالِماً بظُلْمِهِ، فكيف حَالُ من يَعْلم ظلم الظَّالِم، ويعينُه عَلَيْه.
ثم قال :﴿ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ ﴾ أي : لا يَرْضى عن ﴿ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً ﴾ يريد : خَوَّاناً في الدِّرْع، أثيماً في رَمْيه اليَهُوديَّ.
وقيل : إنَّه خطابٌ مع النَّبِي ﷺ والمراد به : غيره؛ كقوله :﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ﴾ [ يونس : ٩٤ ].
فإن قيل : قوله - تعالى - :﴿ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً ﴾ صيغة مُبالَغَة تَدُلُّ على تَكْرَار ذَلِكَ [ الفِعْل مع أن الصَّادِر عَنْه خِيَانة وَاحِدَة، وإثمٌ واحدٌ.
فالجواب : أنَّ الله - تعالى - عَلِم أنه ] كَانَ في طَبْعَ ذَلِكَ الرَّجُل الخيانة الكَثِيرة والإثْمِ الكَبِير، فذكر اللَّفظ الدَّالَّ على المُبَالَغَة؛ بسبَبِ ما كان في طَبْعِهِ من المَيْل إلى ذَلِكَ، ويدُلُّ عليه : ما ذَكر [ أنَّه ] بعد هذه الوَاقِعَة هَرَبَ إلى مَكَّة، وارتدّ ونَقَبَ حائِط إنْسَان، لأجْلِ السرقة، فسقط الحَائِطُ عليْه ومات، ومن كانت خَاتِمَتُه كَذَلِك، لم يُشَكّ في حَالِه، وأيضاً : فإنَّه طَلَبَ من النبي - ﷺ - أنْ يرفَعَ السَّرِقَةَ عَنْه، ويُلْحِقَها باليَهُودِيِّ، وهذا يُبْطِل رِسَالة الرَّسُول، ومن حَاوَل إبْطَال رسَالة الرَّسُول وأراد كذبَهُ، فقد كَفَر؛ فلهذا المَعْنَى وَصَفَهُ اللَّه [ - تعالى - ] بالمُبَالَغَة في الخِيَانة والإثْمِ.
وقد قيل : إذا عَثْرت من رَجُلٍ على سَيِّئَةٍ، فاعلم أنَّ لها أخَوَاتٍ.
وعن عُمَر - رضي الله عنه - : أنَّه أخذ يَقْطَع يَدَ سَارِق، فجاءَتُهُ أمُّه تَبْكِي وتقُول هذه أوّل سَرِقة سرقها فاعْفُ عنه، فقال : كَذَبْت إنّ الله لا يؤاخِذُ عَبْدَه في أوّل الأمْر.


الصفحة التالية
Icon