و « مِنْ نَجْوَاهُمْ » متعلقٌ بمحذُوفٍ؛ لأنه صِفَةٌ ل « كثير » في مَحَلِّ جَر.

فصل


إنَّما ذكر - تعالى - هذه الأقْسَام الثَّلاثة؛ لأن عَمَل الخَيْر، إمَّا أن يكُون بإيصَال المَنْفَعَةِ، أو بدفع المَضَرَّة، وإيصال الخَيْر :
إمَّا أن يكُون من الخَيْرَات الجسْمَانِيَّة، وهو إعْطاء المَالِ، وإليه الإشارة بقوله :« إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ».
وإمَّا أن يكُون من الخَيْرَات الرُّوْحَانية، وإليه الإشارة بقوله :« أَوْ مَعْرُوفٍ ».
وإمَّا إزالة الضَّرَرِ وإليه الإشارة بقوله :﴿ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ الناس ﴾.
قوله « بَيْن » يجُوز أن يكون مَنْصُوباً بِنَفْس إصْلاح، تقول : أصْلَحْت بَيْن القَوْم، قال - تعالى - :﴿ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ [ الحجرات : ١٠ ]، وأن يتعلَّق بِمَحْذُوف على أنَّه صِفَة لإصلاح.
[ و ] قوله :﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك ﴾ أي : هذه الأشْيَاء، ﴿ ابتغآء مَرْضَاتِ الله ﴾ أي : طَلَب رِضَاه، و « ابْتِغَاء » مَفْعُول من أجْله، وألِفُ « مَرْضَاتِ » عن وَاوٍ، وقد تقدَّم تَحْقِيقُه.
فإن قِيلَ : كَيْف قال :﴿ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ ﴾ ثم قال :﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك ﴾.
فالجواب : أنَّه ذكر الأمْرَ بالخير، ليَدُل به على فَاعِلِه؛ لأنَّ الآمِرَ بالخَيْر لما دَخَل في زُمْرَة الخَيِّرين، فبأن يَدْخل فَاعِل الخَيْر فيهم أوْلى، ويجوز أن يُرَاد : ومن يأمُر بذلك، فعبر عن الأمْر بالفعل؛ لأنَّ الأمْر أيضاً فِعْل من الأفعال.
ثم قال :« فسوف يُؤتيه » بالياء نظراً إلى الاسْمِ الظَّاهر في قوله :« مَرْضَات الله »، وقرئ بالنُّون؛ نظراً لِقَوله بعدُ :« نُولِّه، ونُصْلِه » وهو أوقعُ للتَّعْظِيم.


الصفحة التالية
Icon