١٨٨٩- فَعَلِمْتُ أنْ مَا تَتَّقُوهُ فَإنَّهُ جَزْرٌ لِخَامِعَةٍ وفَرْخ عُقَابِ
ف « مَا » شَرْطيةٌ، و « فإنه » جَوابُها، والجُمْلَةُ خبرٌ ل « أنْ » المخفَّفَةِ.
قوله :« يُكَفَرُ بِهَا » في محلِّ نَصْب على الحَالِ من الآيات، و « بها » في محلِّ رفع؛ لقيامِه مقامَ الفاعلِ، وكذلِك في قوله :« يُسْتَهْزَأُ بِهَا » والأصل : يكفر بها أحدٌ، فلمَّا حُذِف الفاعلُ، قام الجارُّ والمَجْرُورُ مقامَه، ولذلك رُوعِي هذا الفَاعِلُ المَحْذُوف، فعاد عليه الضَّمِيرُ من قوله :﴿ مَعَهُمْ حتى يخوضوا ﴾ كأنه قِيل : إذا سَمِعْتُم آياتِ الله يَكْفرُ بها المُشْرِكُون، ويَسْتَهزِئُ بها المُنَافِقُون، فلا تَقْعدوا مَعَهُم حتى يخُوضُوا في حَديثٍ غيره، أي : غير حَدِيث الكُفْر والاستهزاء، فعاد الضَّمير في « غيره » على ما دَلَّ عليه المَعْنَى.
وقيل : الضَّمير في « غيره » يجُوزُ أنْ يعودَ على الكُفْر والاستِهْزَاء المفهُومَيْن من قوله :« يُكَفَر بِهَا » و « وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا »، [ وإنما أفْرَد الضَّمِير وإن كان المُرَاد به شَيْئين؛ لأحد أمرين :]
إمَّا لأنَّ الكُفر والاستِهْزَاء شيءٌ واحدٌ في المعْنَى :
وإمَّا لإجراءِ الضَّميرِ مُجْرى اسم الإشَارةِ، نحو :﴿ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك ﴾ [ البقرة : ٦٨ ]. وقوله :[ الرجز ]
١٨٩٠- كَأنَّهُ فِي الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَق... وقد تقدَّم تَحْقِيقُه في البقرة، و « حتى » : غايةٌ للنَّهْي، والمعنى : أنه يجُوز مُجَالستهم عند خَوْضِهم في غير الكُفْر والاستِهْزَاء.
قال الضَّحاك : عن ابن عبَّاسٍ : دخل في هذه الآية كل مُحْدِث في الدِّين، وكل مُبْتَدِع إلى يَوْم القِيَامَةِ.
قوله :﴿ إنكم إذاً مثلهم ﴾ « إذاً » هنا : مُلغَاةٌ؛ لوقوعها بين مُبْتَدأ وخبر، والجمهور على رفعِ اللام في « مثلُهم » على خَبَرِ الابتداء، وقرئ شاذاً بفتحها، وفيها تَخْريجَان :
أحدهما :- وهو قولُ البصْريِّين - أنه خبر أيضاً، وإنما فُتِح لإضافته إلى غير مُتَمَكِّن؛ كقوله - تعالى - :﴿ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾ [ الذاريات : ٢٣ ] بفتح اللاَّم، وقول الفرَزْدَق :[ البسيط ]
١٨٩١-............................. ..... وإذْ مَا مِثْلَهُمْ بَشَرُ
في أحدِ الأوجه.
والثَّاني :- وهو قولُ الكُوفيِّين - إن « مِثْل » يَجُوز نصبها على المَحَلِّ، أي : الظرف، ويُجيزُون :« زيد مِثْلَك » بالنَّصب على المحلِّ أي : زيدٌ في مثل حالك، وأفرد « مثل » هُنَا، وإن أخْبَرَ به عن جَمْع ولم يُطابق به كما طابق ما قبله في قوله :﴿ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم ﴾ [ محمد : ٣٨ ]، وقوله :﴿ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ ﴾ [ الواقعة : ٢٢، ٢٣ ].
قال أبُو البقاء وغيره : لأنه قصد به هُنَا المصدر، فوحَّد كما وحَّد في قوله :﴿ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا ﴾ [ المؤمنون : ٤٧ ]. وتحرير المَعْنَى : أن التقدير : إنَّ عصيانكم مثل عصيانهم، إلا أنَّ تقدير المصدريّة في قوله :« لِبَشَريْنِ مِثْلِنَا » قلق.

فصل في معنى الآية


والمعنى : أنكم إذاً مِثْلُهُم، إن قعدْتُم عندهم وهُم يَخُوضُون ويَسْتهزِئُون، ورضيتم بِهِ، فأنتم كُفَّار مِثْلُهم، وإن خَاضُوا في حَدِيث غَيْرِه، فلا بأس بالقُعُود مَعَهم مع الكَرَاهَة.


الصفحة التالية
Icon