لما ذَمَّ المُنَافِقِين بأنَّهُم لم يَسْتقِرُّوا مع أحَد الطَّريقَين، نَهَى المُسْلِمِين أن يَفْعَلُوا فِعْل المُنَافِقِين؛ فقال :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾ والسبب فيه :« أن الأنْصَار بالمدينَةِ كانت لَهُمْ [ في قُرَيْظَة ] رِضَاع وحِلْفٌ ومَوَدَّة، فقالُوا : يا رسول الله، مَنْ نَتَولَّى؟ فقال :» المُهَاجِرِين «، فَنَزَلَتْ هذه الآية.
وقال القَفَّال - رحمه الله تعالى - : هذا نَهْيٌ للمُسلِمِين عن مُوالاةِ المُنافِقِين، يقول : قد بَيَّنْتُ لكم أحْوَال هؤلاء المُنَافِقِين ومَذَاهِبهم، فلا تَتَّخِذُوا مِنْهُم أوْلِيَاء.
ثم قال :﴿ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً ﴾، [ فإن حَمَلْنَاه على الأوَّلِ وهو نَهْي المُؤمنين عن مُوالاَةِ الكُفَّارِ، كان المَعْنَى : أتُرِيدُونَ أن تَجْعَلُوا للَّه عليكم سُلْطَاناً مُبِيناً ] على كَوْنِكُم مُنَافِقِين، المُرَاد أتُرِيدُون أن تجعلُوا لأهْلِ دين اللَّه وهم الرَّسُول وأمته، وإن حَملْناهُ على المُنَافِقِين، كان المَعْنَى : أتريدُون أن تَجْعَلُوا للَّه عليكم في عقَابِكُم حُجَّة؛ بِسببِ مُوالاتِكُم مع المُنافِقِين.
قوله :»
سُلْطَاناً « : السلطان يُذكَّرُ ويؤنث، فتذكيرُه باعتبار البرهان، وتأنيثه باعتبار الحُجَّة، إلا أن التأنيثَ أكثرُ عند الفُصَحاء، كذا قاله الفرَّاء، وحكى :» قَضت عليْكَ السُّلطَانُ « و » أخذتْ فلاناً السُّلْطَانُ « وعلى هذا فكيف ذُكِّرت صفته، فقيل : مبيناً دون : مبينة؟ والجوابُ : أن الصفة هنا رأسُ فاصلة، فلذلك عدلَ إلى التذكير، دون التأنيث، وقال ابن عطية ما يخالِفُ ما حكاه الفراء؛ فإنه قال :» والتذكيرُ أشهرُ، وهي لغةُ القرآنِ؛ حيث وقع «. و » عَلَيْكُمْ « يجوزُ تعلُّقه بالجَعْلِ، أو بمحذوفٍ على أنه حال من » سُلْطَاناً « لأنه صفة له في الأصل، وقد تقدَّم نظيره.


الصفحة التالية
Icon