﴿ لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السماوات والأرض الغيب إِلاَّ الله ﴾ [ النمل : ٦٥ ]، ورد أبو حيان عليهما فقال :« وما ذكره - يعني ابن عطية - من جواز الرفع على البدل لا يَصِحُّ؛ وذلك أن المنقطع قسمان : قسمٌ يتوجَّه إليه العامل؛ نحو :» ما فِيهَا أحَدٌ إلاَّ حِمَارٌ « فهذا فيه لغتان : لغة الحجاز وجوبُ النصب، ولغةُ تميم جوازُ البدل، وإن لم يتوجه عليه العامل، وجب نصبُه عند الجميع؛ نحو :» المالُ ما زَادَ إلاَّ النَّقْصَ «، أي : لكن حصل له النقصُ، ولا يجوز فيه البدل؛ لأنك لو وجهت إليه العامل، لم يصحَّ »، قال : والآيةُ من هذا القسم؛ لأنك لو قلت :« لا يُحِبُّ اللَّهُ أن يَجْهَرَ بالسُّوءِ إلا الظالمُ » - فتسلطُ « يَجْهَر » على « الظَّالِمَ » [ فتسليط يجهر على الظالم يصح ]. قال :« وهذا الذي جَوَّزه - يعني الزمخشريَّ - لا يجوز؛ لأنه لا يمكن أن يكون الفاعلُ لَغْواً، ولا يمكنُ أن يكون الظالمُ بدلاً من » الله «، ولا » عَمْرو « بدلاً من » زَيْد « ؛ لأنَّ البدلَ في هذا البابِ يَرْجِع إلى بدل بعضٍ من كلٍّ حقيقة؛ نحو :» مَا قَامَ القَوْمُ إلاَّ زَيدٌ «، أو مجازاً؛ نحو :» مَا فِيهَا أحدٌ إلاَّ حِمَارٌ «، والآيةُ لا يجوز فيها البدلُ حقيقةً، ولا مجازاً، وكذا المثالُ المذكور؛ لأن الله تعالى عَلَمٌ، وكذا زيدٌ، فلا عموم فيهما؛ ليتوَهَّمَ دخولُ شيءٍ فيهما فيُستثنى، وأمَّا ما يجوزُ فيه البدلُ من الاستثناء المنقطع؛ فلأنَّ ما قبله عامٌّ يُتوهَّم دخولُه فيه، فيُبْدلُ ما قبله مجازاً، وأمَّا قوله على لغة من يقول :» مَا جَاءنِي زَيْدٌ إلا عمرٌو «، فلا نعلم هذه لغة إلا في كتاب سيبويه، بعد أن أنشد أبياتاً في الاستثناء المنقطع آخرها :[ الطويل ]
[ ما نصُّه :] » وهذا يُقَوِّي :« ما أتَانِي زَيْدٌ إلا عَمرٌو، ومَا أعانهُ إخْوَانكُم إلاَّ إخْوانُه » ؛ لأنها معارفُ ليست الأسماء الآخرة بها ولا بعضها « ولم يصرِّح، ولا لَوَّحَ أن » مَا أتَانِي زَيدٌ إلاَّ عمرٌو « من كلام العرب، قال من شرح كلام سيبويه : فهذا يُقَوِّي » مَا أتَانِي زَيْدٌ إلا عمرٌو «، أي : ينبغي أن يَثْبُتَ هذا من كلام العرب؛ لأن النبل معرفةٌ ليس بالمشرفيِّ، كما أن زيداً ليس بعمرو، كما أنَّ إخوة زيدٍ ليسوا إخوتَكَ، قال أبو حيان :» وليس « مَا أتَانِي زَيدٌ إلاَّ عمرٌو » نظير البيت؛ لأنَّه قد يُتَخَيَّلُ عمومٌ في البيت؛ إذ المعنى : لا يُغْنِي السلاح، وأمَّا « زَيْد » فلا يتوهَّم فيه عمومٌ؛ على أنه لو ورد من كلامهم :« مَا أتَانِي زَيدٌ إلاَّ عمرٌو »، لأمكن أن يصحَّ على « مَا أتَانِي زَيدٌ ولا غَيرُهُ إلاَّ عمرٌو »، فحذف المعطوفُ؛ لدلالة الاستثناء عليه، أمَّا أن يكون على إلغاء الفاعل، أو على كون « عَمْرو » بدلاً من « زَيْد »، فإنه لا يجوز، وأمَّا الآية فليست ممَّا ذكر؛ لأنه يحتمل أن تكون « مَنْ » مفعولاً بها، و « الغَيْبَ » بدلٌ منها بدلُ اشتمال، والتقديرُ : لا يعلم غيب من في السماوات والأرض إلاَّ اللَّهُ، أي : سِرَّهُمْ وعلانيتَهُمْ لا يَعْلَمُهُم إلا الله، ولو سُلِّم أن « مَنْ » مرفوعةُ المحلِّ، فيتخيلَّ فيها عمومٌ، فيُبدل منها « الله » مجازاً؛ كأنه قيل : لا يعلمُ المَوْجُودُونَ الغَيْبَ إلاَّ اللَّهُ، أو يكونُ على سبيل المجازِ في الظرفيَّة بالنسبة إلى الله تعالى؛ إذ جاء ذلك عنه في القرآن والسنة نحو :
١٨٩٨- عَشِيَّةَ مَا تُغْنِي الرِّمَاحُ مَكَانَهَا ولا النَّبْلُ إلاَّ المَشْرِفِيُّ المُصَمِّمُ