وأما الملْكَانِيَّة فَقَالُوا : القَتْل والصَّلْبُ وصَلاَ إلى اللاَّهُوت بالإحْسَاسِ والشُّعُور، لا بالمُبَاشَرَةِ.
وقالت اليعقوبية : القَتْلَ والصَّلْبُ وقعا بالمسيح الذي هو جَوْهرٌ مُتَوَلِّدٌ من جَوْهَرَيْن.
فهذا شرح مَذَاهِب النَّصَارَى في هذا البَابِ، وهو المُرَاد من قوله :﴿ وَإِنَّ الذين اختلفوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ﴾.
والمنزل الثاني : أن المُراد ب ﴿ الذين اختلفوا فِيه ﴾ اليَهُود، وفيه وجهان :
الأوَّل : أنهم لمَّا قَتَلُوا الشَّخْص المُشَبَّه به، كان المُشَبَّهُ قد ألْقِي على وَجْهِه، ولم يُلْقَ على جَسَدِهِ شِبْه جَسَد عِيسَى، فلما قَتَلُوه ونَظَرُوا إلى بَدَنِهِ، قالوا : الوجْهُ وجْهُ عِيسَى والجَسَدُ جسد غَيْرِه.
والثاني : قال السُّدِّي : إن اليَهُود حَبَسُوا عِيسى - عليه السلام - مع عَشَرَةٍ من الحَوَارِييّن في بَيْتٍ، فَدَخَلَ عَلَيْه رَجُلٌ من اليَهُودِ ليُخْرِجَهُ ويَقْتلهُ، فألقى الله شِبْه عِيسَى - عليه السلام - على ذَلِك الرَّجُلِ، ورَفَع عيسى إلى السَّماء، فأخذوا ذلك الرَّجُل فَقَتَلُوهُ على أنَّه عيسى - عليه السلام -، ثم قالوا [ إن كان هذا عِيسَى فأيْن صَاحِبُنَا، وإن كان صَاحِبُنَا فأيْن عيسى ]، فَذَلِكَ اخْتِلافُهُم فِيه.
قوله :« لَفِي شَكٍّ مِّنْه » :« مِنْهُ » في محلِّ جرِ صفة ل « شَكٍّ » يتعلَّقُ بمحذوف، ولا يجوز أن تتعلَّق فَضْلةٌ بنفس « شَكٍّ » ؛ لأن الشكَّ إنما يتعدَّى ب « في » لا ب « مِنْ »، ولا يقال : إنَّ « مِنْ » بمعنى « في » ؛ فإن ذلك قولٌ مرجوحٌ، ولا ضرورة لنا به هنا.
وقوله :﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ﴾ يجوز في « مِنْ عِلْمٍ » وجهان :
أحدهما : أنه مرفوع بالفاعليَّة، والعاملُ أحد الجارَّيْنِ : إمَّا « لَهُمْ » وإما « به »، وإذا جُعِلَ أحدُهما رافعاً له، تعلَّق الآخرُ بما تعلَّق به الرافِعُ من الاستقرار المقدَّر، و « مِنْ » زائدةٌ لوجودِ شرطي الزيادة.
والوجه الثاني : أن يكون « مِنْ عِلْمٍ » مبتدأ زيدت فيه « مِنْ » أيضاً وفي الخبر احتمالان :
أحدهما : أن يكونَ « لَهُم » فيكون :« به » : إمَّا حالاً من الضمير المستكنِّ في الخبر، والعاملُ فيها الاستقرارُ المقدَّر، وإمَّا حالاً من « عِلْمٍ »، وإنْ كان نكرةً؛ لتقدُّمها عليه، ولاعتمادِه على نَفْي، فإن قيل : يلزمُ تقدُّمُ حالِ المجرورِ بالحرفِ عليه، وهو ضرورةٌ، لا يجوزُ في سَعة الكَلاَم.