فصل
رَوَى أبُو هُرَيْرَة عن النَّبِيِّ ﷺ قال :« يُوشِكُ أنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابن مَرْيَمَ حَكَماً عَدْلاً، يَكْسِرُ الصَّلِيبَ، ويَقْتُلُ الخِنْزِيرَ، ويَضَعُ الجزْيَةَ، ويَفِيضُ المَالُ حَتَّى لا يَقْبَلُه أحَدٌ، وتميلُ في زَمَانِهِ المِلَلُ كُلُّهَا إلى الإسْلامِ، ويَقْتل الدَّجَّال، فيمْكُثُ في الأرْضِ أرْبَعين سَنَةً، ثم يُتَوَفَّى فيُصَلّى عليه المُسْلِمُون » وقال أبو هريرة اقْرَءُوا إن شِئْتُم :﴿ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ أي : قبل مَوْتِ عيسى ابن مريم - [ عليه السلام ] - ثم ليعيدها أبو هُرَيْرَة ثلاث مَرَّاتٍ.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ : والفَائِدَةُ في إخْبَارِ الله - تعالى - بإيمانِهِم بعِيسَى قَبْلَ مَوْتِهِم - أنَّهُم متى عَلِمُوا أنه لا بُدَّ لهم من الإيمَانِ به لا مَحَالَة، مع كَوْنِه لا يَنْفَعُهُم الإيمانُ في ذَلِك الوَقْتِ، فلا يُؤمِنُوا به حَالَ ما يَنْفَعُهُم ذلك الإيمَانُ.
قوله سبحانه ﴿ وَيَوْمَ القيامة ﴾ العالم فيه « شَهِيداً » وفيه دليلٌ على جوازِ تقدُّم خبر « كان » عليها؛ لأنَّ تقديمَ المعمولِ يُؤذِن بتقديمِ العامل، وأجاز أبو البقاء أن يكون منصوباً ب « يكُون » وهذا على رأي مَنْ يجيز ل « كَان » أن تعمل في الظرفِ وشبهه، والضميرُ في « يكُون » لعيسى يعني : يكُون عيسى عليهم شَهيداً : أنه قد بَلَّغَهُم رِسَالة رَبِّه، وأقَرَّ بالعُبُودِيَّة على نفْسِهِ مُخْبِراً عنهم ﴿ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ﴾ [ المائدة : ١١٧ ] وكل نَبِيٍّ شَاهِدٌ على أمَّتِهِ، وقيل : الضَّميرُ في « يكُونُ » لمحمَّدٍ - عليه السلام -.