وقالوا : وأيضاً فهي في مصحْفِ ابن مسعودٍ بالواو فقط نقله الفراء، وفي مصحفِ أبَيٍّ كذلك وهي قراءة مالك بن دينار والجَحْدَرِي وعيسى الثقفيِّ، وهذا لا يَصِحُّ عن عائشة ولا أبَانَ، وما أحْسَنَ قول الزمخشريِّ رحمه الله :« ولا يُلتفتُ إلى ما زعموا من وقوعه لَحْناً في خط المصْحَف، وربما التفت إليه مَنْ لم ينظر في الكتاب، ومَنْ لم يعرف مذاهبَ العَرَبِ وما لهم في النصْبِ على الاختصاص من الافتنانِ، وغَبِيَ عليه أنَّ السابقين الأولين الذين مَثَلهُم في التوراة ومثلُهم في الإنجيل، كانوا أبعدَ همةً في الغَيْرَةِ عن الإسلام وذَبِّ المَطَاعِن عنه من أن يقولوا ثُلْمَةً في كتاب الله؛ ليسُدَّها من بَعْدَهم، وخَرْقاً يَرْفُوهُ مَنْ يلحَقُ بهم ». وأمَّا قراءةُ الرفْعِ، فواضحةٌ.
قوله تعالى :﴿ والمؤتون ﴾ فيه سبعةُ أوجهٍ أيضاً :
أظهرها : أنه على إضمار مبتدأ، ويكون من باب المدحِ المذكورِ في النصب وهذا أوَّل الأوجه.
الثاني : أنه معطوفٌ على « الرَّاسِخُون »، وفي هذا ضَعْفٌ؛ لأنه إذا قُطِعَ التابعُ عن متبوعه، لم يَجُزْ أن يعود ما بعده إلى إعراب المتبوعِ، فلا يُقالُ :« مَرَرْتُ بِزَيْدٍ العَاقِلَ الفَاضلِ » بنصب « العَاقِل »، وجر « الفاضل »، فكذلك هذا.
الثالث : أنه عطفٌ على الضمير المستكنِّ في « الرَّاسِخُونَ »، وجاز ذلك للفصل.
الرابع : أنه معطوفٌ على الضمير في « المُؤمِنُونَ ».
الخامس : أنه معطوفٌ على الضمير في « يُؤمِنُون ».
السادس : أنه معطوفٌ على « المُؤمِنُونَ ».
السابع : أنه مبتدأ وخبره « أولئك سَنُؤتيهمْ »، فيكون « أولئك » مبتدأ، و « سُنؤتِيهِمْ » خبره، والجملةُ خبرُ الأوَّلِ، ويجوزُ في « أولَئِكَ » أن ينتصِبَ بفعلٍ محذوفٍ يفسِّرهُ ما بعده، فيكون من باب الاشتغال، إلا أنَّ هذا الوجه مرجوحٌ من جهةِ أنَّ « زَيْدٌ ضَرَبْتُهُ » بالرفع أجودُ من نصبه؛ لأنه لا يُحْوِجُ إلى إضمار؛ ولأنَّ لنا خلافاً في تقديم معمول الفعل المقترن بحرف التنْفِيسِ في نحو « سأضْرِبُ زَيْداً » منع بعضهم « زَيْداً سَأضْرِبُ »، وشرطُ الاشتغالِ جوازُ تسلُّط العامل على ما قبله، فالأولى أن نَحْمِلَهُ على ما لا خلاف فيه، وقرأ حمزة :« سَيُؤتيهِمْ » بالياء؛ مراعاةً للظاهر في قوله :« والمُؤمِنُونَ بالله »، والباقون بالنون على الالتفات تعظيماً، ولمناسبةِ قوله :« وأعْتَدْنَا »،

فصل


والعُلَمَاءُ على ثلاثةِ أقسام :
[ الأوَّل ] : علماءٌ بأحْكَام اللَّهِ فقط.
[ الثاني ] : عُلماءٌ بِذاتِ اللَّه وصفاته فقط.
[ الثالث ] : عُلَمَاء بأحْكام اللَّه، وبِذاتِ اللَّهِ.
والله [ - تعالى - ] وصف العُلَمَاءَ أوَّلاً : بِكَوْنِهِم رَاسخين في العِلْمِ، ثم شَرَح ذلك مُبيِّناً :
أولاً : كَوْنهم عالِمِين بأحْكَامِ الله، وعَامِلِين بِهَا.
أما عِلْمُهُم بأحْكَامِ الله، فهو قوله [ - تعالى - ] :﴿ والمؤمنون يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾.
وأما عَمَلُهُم بِهَا، فهو قوله :﴿ والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ﴾ وخصَّهُمَا بالذِّكْر؛ لِكونهما أشْرَف الطَّاعَاتِ البَدَنِيَّة والماليَّة.
ولمَّا شرح كَوْنَهُم عالِمِينَ بالأحْكَامِ وعَامِلِين بها، شَرَح بَعْدَهُ كونَهُم عالمين بالله.
وأشرف المعارف العلم بالمبدأ، والمعاد؛ فالعلم بالمَبْدَأ قوله - تعالى - :﴿ والمؤمنون بالله ﴾، والعلم بالمعاد قوله :﴿ واليوم الآخر ﴾.


الصفحة التالية
Icon