﴿ وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ﴾ [ البقرة : ٩٨ ].
واعْلَم أنَّه ذكر في هذه الآية اثْنَا عشرة نَبِيًّا، ولَمْ يذكُر مُوسَى مَعَهُم؛ لأن اليَهُود قالُوا : إنْ كُنْتَ يا مُحَمَّد نَبِيًّا [ حَقًّا ]، فأتِنَا بكتابٍ من السَّماءِ دَفْعَةً واحِدَةً؛ كما أتى موسى - ﷺ - بالتَّوْرَاةِ دفعةً واحدةً؛ فأجَابَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَة بأنَّ هؤلاء الأنْبِيَاءِ الاثْنَي عشر، كانوا أنْبِيَاءَ وَرسُلاً، مع أنَّ واحداً منهم لم يأتِ بكتاب مثل التَّوْراةِ دفْعَةً واحِدَةً.
وإذَا كَانَ المَقْصُود من تعديده هؤلاءِ الأنْبِيَاء هذا المَعْنَى، لم يجز ذِكْر مُوسَى مَعَهُم.
وفي « يُونُس » ستُّ لغاتٍ؛ أفصحُها : واوٌ خالصةٌ، ونون مضمومة، وهي لغةُ الحجاز، وحُكِيَ كسرُ النونِ بعد الواو، وبها قرأ نافع في رواية حبَّان، وحُكِي أيضاً فتحها منقولَتَيْنِ من الفعل المبنيِّ للفاعل أو للمفعول، جعل هذا الاسم مشتقاً من الأنْسِ، وإنما أبُدلَتِ الهمزةُ واواً؛ لسكونها وانضمام ما قبلها؛ ويدلُّ على ذلك مجيئه بالهمزةِ على الأصل في بعض اللغات؛ كما سيأتي، وفيه نظرٌ، لأن هذا الاسم أعجميٌّ، وحُكِي تثليث النون مع همز الواو؛ كأنهم قلبوا الواوَ همزةً؛ لانضمام ما قبلها؛ نحو :[ الوافر ]
١٩٠٣- أحَبُّ المُؤْقِدِينَ إليَّ مُؤْسَى | ..................... |
قوله تعالى :﴿ زَبُوراً ﴾ قرأ الجمهورُ بفتح الزاي، وحمزة بضَمِّها، وفيه ثلاثةُ أوجه :
أحدها : أنه جمعُ « زَبْرٍ » قال الزمخشريُّ : جمع « زَبْرٍ »، وهو الكتابُ، ولم يَذْكر غيره، يعني أنه في الأصْل مصدرٌ على فعلٍ، ثم جُمِعَ على فُعُولٍ، نحو : فَلْسٍ وفُلُوسٍ، وقَلْسٍ وقُلُوسٍ، وهذا القول سبقه إليه أبو علي الفارسيُّ في أحد التخريجَيْنِ عنه، قال أبو عَلِيٍّ :« ويحتمل أن يكون جمع زَبْرٍ وقع على المَزْبُور، كما قالوا : ضَرْبُ الأميرِ، ونَسْجُ اليَمَنِ فصار اسماً، ثم جُمِعَ على زُبُور كشُهُود وشهد؛ كما سُمِّي المكتوبُ كِتَاباً »، يعني أبو عليٍّ؛ أنه مصدرٌ واقعٌ موقع المفعول به؛ كما مثَّله.
والثاني : أنه جمع « زَبُورٍ » في قراءة العامة، ولكنه على حَذْفِ الزوائد، يعني حُذِفت الواوُ منه، فصار اللفظ : زَبُر، وهذا التخريجُ الثاني لأبي عليٍّ، قال أبو عليٍّ :« كما قالوا : ظَرِيفٌ وظُرُوفٌ، وكَرَوَان وكِرْوان، وَوَرَشَان ووِرْشَان على تقدير حذف الياء والألف »، وهذا لا بأس به؛ فإنَّ التكسير والتصغير يَجْريان غالباً مجرى واحداً، وقد رأيناهُمْ يُصَغِّرونَ بحذفِ الزوائد نحو :« زُهَيْرٍ وحُمَيْدٍ » في أزْهَرَ ومَحْمُودٍ، ويسميه النحويون « تصْغير التَّرخيم »، فكذلك التكسيرُ.