فالمُراد : أنهم امتنعُوا به من زَيْغِ الشَّيْطَانِ، ﴿ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ ﴾.

فصل


قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : المراد بالرَّحْمَةِ الجَنَّة، وبالفَضْلِ : ما يَتَفَضَّل به عليْهِم بمَا لا عَين رَأتْ، ولا أذُن سَمِعَتْ، [ ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشر ].
﴿ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ﴾.
قوله عزَّ وجَّل :﴿ صِرَاطاً ﴾ : مفعولٌ ثان ل « يَهْدِي » ؛ لأنه يتعدَّى لاثنين؛ كما تقدم تحريره، وقال جماعةٌ منهم مَكِّيٌّ : إنه مفعولٌ بفعْلٍ محذوف دلَّ عليه « يَهْدِيهم »، والتقدير :« يُعَرِّفُهُمْ ». وقال أبو البقاء قريباً من هذا إلا أنه لم يُضْمِرْ فعلاً، بل جعله منصوباً ب « يَهْدِي » على المعنى؛ لأنَّ المعنى يُعرِّفُهُم، قال مكيٌّ في الوجه الثاني :« ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً ل » يَهْدِي «، أي : يَهْدِيهِم صِرَاطاً مستقيماً إلى ثوابه وجزائه » قال شهاب الدين : ولم أدْرِ لِمَ خَصَّصُوا هذا الموضِعَ دُونَ الذي في الفاتِحَةِ [ الآية : ٣ ]، واحتاجوا إلى تقدير فعل، أو تضمينه معنى « يُعَرِّفُهُمْ » ؟ وأجاز أبو عليٍّ أن يكون منصوباً على الحال من محذوف؛ فإنه قال :« الهاءُ في » إليه « راجعةٌ إلى ما تقدَّم من اسم الله، والمعنى : ويَهْديهم إلى صراطه، فإذا جعلنا » صِرَاطاً مُسْتَقِيماً « نصباً على الحالُ، كانت الحالُ من هذا المحْذُوفِ ». انتهى، فتحصَّل في نصبه أربعةُ أوجه :
أحدها : أنه مفعول ب « يَهْدِي » من غير تضمين معنى فعل آخر.
الثاني : أنه على تضمين معنى « يُعَرِّفُهُمْ ».
الثالث : أنه منصوبٌ بمحذوفٍ.
الرابع : أنه نصبٌ على الحال، وعلى هذا التقدير الذي قدَّره الفارسيُّ تقْرُبُ من الحالِ المؤكِّدة، وليس كقولك :« تَبَسَّمَ ضَاحِكاً » ؛ لمخالفتِها لصاحبها بزيادة الصفةِ، وإن وافقته لفظاً، والهاءُ في « إلَيْهِ » : إمَّا عائدةٌ على « الله » بتقدير حذفِ مضافٍ؛ كما تقدَّم من نحو :« ثواب » أو « صِرَاطه »، وإمَّا على الفضلِ والرحمة؛ لأنهما في معنى شيء واحد، وإما عائدةٌ على الفضل؛ لأنه يُراد به طريقُ الجنان.


الصفحة التالية
Icon