وعن ابن عمر أنها أجنة الأنعام، وذكاته ذكاة أمه، ومثله عن الشعبي.
وذهب أكثر اهل العلم إلى تحليله؛ لما روى أبو سعيد، « قال : قلنا : يا رسول الله :» نَنْحَرُ الناقة، ونذبح البقرة والشاة، فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله « ؟ قال :» كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ، فإنَّ ذكاتَه ذكاة أمِّهِ « وشرط بعضهم الإشعار.
فإن قيل : لو قال : أحلت لكم الأنعام، لكان الكلام تاماً؛ كقوله تعالى في آية أخرى :﴿ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنعام ﴾ [ الحج : ٣٠ ] فما فائدة زيادة لفظ »
البهيمة « هنا؟
[ الجواب : إن قلنا : إن بهيمة الأنعام هي الأجنة ] فالجواب : ما تقدم من الإضافة، أعني إضافة بهيمة الأنعام.
فإن قيل : لِمَ أفرد »
البهيمة « وجمع لفظ » الأنعام « ؟
فالجواب : إرادة للجنس.

فصل في الرد على شبهة الثنوية


قالت الثنوية : ذبح الحيوان إيلامٌ، والإيلام قبيح، والقبيح لا يرضى به الإله الرحيم الحكيم، فيمتنع أن يكون الذبح حلالاً مباحاً بحكم الله، وتحقيق ذلك أن هذه الحيوانات ليس لها قدرة على الدفع عن أنفسها، ولا لها لسان تحتج به على من قصد إيلامها، وإيلام من بلغ في العجز إلى هذا الحد أقبح.
وعند هذه الشبهة افترق المسملون فرقاً كثيرة :
فقالت المكرمية : لا نسلم أن هذه الحيوانات تتألم عند الذبح، بل لَعَلَّ تعالى يرفع عنها ألم الذبح، وهذا مكابرة للضروريات.
وقالت المعتزلة : لا نسلم أن الإيلام قبيح مطلقاً، بل إنما يقبح إذا لم لم يكن مسبوقاً بجناية، ولا ملحوقاً بعوض.
وهاهنا الله تعالى عوض هذه الجنايات بأعواض شريفة، فخرج هذا الذبح عن كونه ظُلْماً.
ويدلُّ على صحة ما قلناه أن ما تقرر في العقول أنه يحسن تحمل ألَم الفَصْد والحجامة لطلب الصحة، فإذا حَسُنَ تحمُّل الألم القليل لأجل المنفعة العظيمة، فكذا القول في الذبح.
وقال أهل السُّنة : إن الإذن في ذبح الحيوانات تصرف من الله تعالى في ملكه والمالك لا اعتراض عليه إذا تصرف في ملك نفسه، والمسألة طويلة.

فصل


قال بعضهم :﴿ أحلت لكم بهيمة الأنعام ﴾ مجمل؛ لأن الإحْلال إنما يضاف إلى الأفعال، وهاهنا أضيف إلى الذات، فتعذر إجراؤه على ظاهره، فلا بُدَّ من إضمار فعل، وليس إضمار الأفعال أولى من بعض، فيحتمل أن يكون المراد إحلال الانتفاع بجلدها، أو بعظمها، أو صوفها، أو لحمها، أو المراد إحلال الانتفاع بالأكل، فصارت الآية مجملة، إلا أن قوله تعالى :﴿ والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [ النحل : ٥ ] دل على أن المراد بقوله :﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام ﴾ إباحة الانتفاع من كل هذه الوجوه، والله أعلم.
[ قوله ﴿ إلا ما يتلى عليكم ﴾ هذا مستثنى من »
بهيمة الأنعام « والمعنى : ما يتلى عليكم تحريمه ] وذلك قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon