وقال عطاءُ :« شَعَائِرَ اللَّهِ » حُرُمَاتِ اللَّهِ.
ثم قال :﴿ وَلاَ الشهر الحرام ﴾ أي بالقتال فيه، قال تعالى :﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ الله يَوْمَ خَلَقَ السماوات والأرض مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ [ التوبة : ٣٦ ] فقيل هي : ذُو القَعْدَةِ وذُو الحَجَّةِ ومُحَرَّمٌ ورَجَب، فقوله :﴿ وَلاَ الشهر الحرام ﴾ يجوزُ أنْ يكونَ المرادُ رجب، لأنَّه أكمل هذه الأشهرَ الأربعةَ في هذه الصفة.
وقال ابنُ زَيْدٍ : هي النَّسِيءُ؛ لأنَّهُم كَانُوا يُحِلُّونَهُ عاماً ويُحَرِّمُونَه عَاماً.
قال :« وَلاَ الْهَدْي ».
قال الواحدي : الهدي ما أهْدِيَ إلى بَيْتِ اللَّهِ الحَرامِ مِنْ نَاقَةٍ أو بَقَرَةٍ أوْ شَاةٍ، وَاحِدُهَا هَدْيَةٌ بِتَسْكِينِ الدَّالِ، ويُقالُ [ أيضاً ] : هَدِيِّةٌ، وجمعها هَديّ قال الشاعر :[ الوافر ]

١٩١٧- حَلَفْتُ برَبِّ مكَّة والمُصَلَّى وأعْنَاقِ الهديِّ مُقَلَّداتِ
ونَظِيرُ هذِهِ الآيَةِ قولُهُ تعالى :﴿ هَدْياً بَالِغَ الكعبة ﴾ [ المائدة : ٩٥ ]، وقولُهُ :﴿ والهدي مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ﴾ [ الفتح : ٢٥ ].
قَوْلُهُ سُبحانَهُ :﴿ وَلاَ القلاائد ﴾ [ أيْ : ولا ذَواتِ القَلاَئِد ] عَطفٌ على الهَدْي مُبَالَغَةً في التوصية بها؛ لأنَّها أشَرَفُ الهَدْي، كَقَوْلِهِ تعالى :﴿ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ﴾ [ البقرة : ٩٨ ] كأنَّهُ قِيلَ : وَذَواتِ القَلاَئِد ] كأنَّهُ قِيلَ : وَذَواتِ القلائِدِ مِنْهَا خُصُوصاً.
قال القُرْطُبِيُّ : فَمَنْ قَالَ المرادُ بالشَّعَائِرِ المناسِكُ، قال : ذَكَرَ الهَدْي تَنْبيهاً عَلَى تَخْصيصه، ومَنْ قَالَ : الشَّعَائِرُ الْهَدْي قال : الشَّعَائِرُ مَا كَانَ مُشْعَراً، أيْ : مُعْلَماً بإسَالَةِ الدَّمِ من سنامه، والْهَدْي ما لم يُشعَر، [ اكْتَفَى فِيهِ بالتَّقْلِيدِ، وقيل : الشعائرُ هي البُدنُ مِنَ الأنْعامِ، والْهَدْيُ البقر والغَنَمُ والثِّيَابُ وكُلُّ ما يُهدى ].
وقال الجُمْهُور : الهَدْيُ عامٌّ في كُلِّ ما يُتقرّبُ به من الذَّبَائحِ والصَّدَقَاتِ، ومنه قوله ﷺ :« المُبَكِّرُ للجُمُعَةِ كالمُهْدِي بَدَنة »، إلى أنْ قَالَ :« كالمُهْدِي بَيْضَة » فَسَمَّاهَا هَدْياً، وتسميةُ البَيْضَةِ هَدْياً إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الصَّدَقَةُ وكذلك قال العلماءُ : إذَا قالَ جعلتُ ثَوْبِي هَدْياً فَعَلَيْهِ أنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ؛ إلاَّ أنَّ الإِطْلاَقَ يَنْصَرِفُ إلى أحَدِ الأصْنَافِ الثَّلاثَةِ مِنَ الإبِلِ والْبَقَرِ والْغَنَمِ، وسَوْقُها إلى الْحَرَمِ وَذَبْحُهَا فِيهِ، وهَذَا إنَّما يُلَقَّى مِنْ عُرْف الشَّرع.
قال تعالى :﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر مِنَ الهدي ﴾ [ البقرة : ١٩٦ ] وأراد به الشَّاةَ، وقال :﴿ هَدْياً بَالِغَ الكعبة ﴾ [ المائدة : ٩٥ ]، وأقَلُّهُ شاةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.
وقال مَالِكٌ :« إذَا قَالَ : ثَوْبِي هَدْيٌ، يَجْعَلُ ثَمَنُهُ في هَدْيٍ ».
ويجوز أنْ يكونَ المرادُ « والقَلاَئِدَ » حَقيقَةً، ويكونُ فِيهِ مبالغَةٌ في النَّهْيِ عَنِ التَّعَرُّضِ لِلْهَدْي المَقلَّدِ بِهَا، كقوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ [ النور : ٣١ ] ؛ لأنَّهُ نَهَى عَنْ إظْهارِ الزِّينةِ، فَمَا بالُكَ بِمَواضِعِهَا مِنَ الأعْضَاءِ، والقَلاَئِدُ : جَمْعُ قِلاَدَة وَهِيَ الَّتِي تُشَدُّ عَلَى عُنُقِ البَعيرِ.
وقالَ عَطَاءٌ : أرَادَ أصْحَابَ القَلاَئِدِ، وذلِكَ أنَّهُمْ كَانُوا في الْجَاهِلِيَّةِ إذَا أرَادُوا الخُرُوج مِنَ الحرمِ قَلَّدُوا أنْفُسَهُم وإبلَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ الحرمِ، كَيْلاَ يُتعرَّض لَهُمْ، فَنَهى الشَّرْعُ عَنِ اسْتِحْلاَلِ شَيْءٍ مِنْهَا.
قوله تعالى :﴿ ولاا آمِّينَ البيت الحرام ﴾.
أيْ : وَلاَ تُحِلُّوا قوماً آمين، أيْ : قَاصِدِينَ، ويَجُوزُ أنْ يكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أيْ : لا تُحِلُّوا قِتَالَ قَوْم [ أوْ أذَى ] قَوْمٍ آمِّينَ.


الصفحة التالية
Icon