وقال صاحبُ هذا القول : يُقَالُ : رَجُلٌ شَنْآنُ، وآمْرأةٌ شَنْآنَةٌ، كنَدْمَانَ، ونَدْمَانَةٍ، وقياسُ هذا أنْ يكونَ مِنْ فِعْلٍ متعد [ وحكي : رجل شَنْآن، وامرأة شَنْأى ك « سكران وسكرى » وقياس هذا أن يكون من فعل لازم ]، ولا بُعْدَ في ذلك، فإنَّهم قد يشتقُّون من مادَّةٍ واحدةٍ القَاصِرَ والمتعدِّي، قالُوا : فَغَرْتُ فاه، وفَغَرَ فوه أيْ : فَتَحته فانفتح، [ وإنْ ] أُرِيدَ بِه المصدَرُ فَوَاضِحٌ، ويَكُونُ مُضَافاً إلى مفعُولِه، أيْ : بُغضكم لِقَوْم، فحذف الفاعل، ويجوزُ أنْ يكونَ مُضَافاً إلى فاعلِهِ، أيْ بُغْضُ قَوْمٍ إيَّاكُمْ، فحذف مَفْعُولَهُ.
والأوَّلُ أظْهَرُ في المعنى، وحُكْمُ شَنَآنَ بِفَتْحِ النُّونَ مَصْدَراً وَصِفَةُ حُكْم إسْكَانِهَا، وقد تقدَّم تقريرُ ذلك، ومِنْ مَجِيءِ شَنْآن السَّاكِنِ الْعَيْنِ مَصْدَراً قَوْلُ الأحوصِ :[ الطويل ]

١٩٢٢- وَمَا الْحُبُّ إلاَّ مَا تَلَذُّ وتَشْتَهِي وإنْ لاَمَ فيه الشَّنَانِ وَفَنَّدَا
أرَادَ الشَّنْآنَ بِسُكُونِ النُّونِ فنقل حركة الهمزة إلى النُّونِ السَّاكنة، وحذف الهمزة [ ولَوْلاَ سُكُونُ النُّونِ لما جَازَ النَّقْلُ ولو قال قَائِلٌ : إنَّ الأصْلَ الشَّنَآنُ بفتح النون ] وخَفَضَ الهَمْزَةَ بحَذْفِهَا رَأساً، كما قُرِئ ﴿ إِنَّهَا لإِحْدَى الكبر ﴾ [ المدثر : ٣٥ ] بحذفِ همزة « إحْدَى » لكانَ قَوْلاً يَسْقُطُ به الدليلُ لاحتماله، و « الشَّنآن » بالفتح عَمَّا شذَّ عن القاعدةِ الكُلِّيَّةِ.
قال سِبَوَيْه : كُلُّ بِنَاءٍ مِنَ المصادِرِ على وَزْنِ « فَعَلاَن » بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَم يتعدَّ فِعْلُهُ إلاَّ أنْ يَشذَّ شيءٌ كالشَّنَآنِ، يَعْنِي أنَّه مصدرٌ على « فَعَلاَن » بالفتح، ومع ذلك فعْلُهُ مُتَعِدّ، وفعلهُ أكثرُ الأفعالِ مَصَادِر سُمِعَ لَهُ سِتَّةَ عَشَرَ مَصْدراً، قالُوا : شَنِئَ يَشْنَأُ [ شَنْئاً ] وشَنآناً مُثَلَّثي الشِّين، فهي سِتُّ لُغَاتٍ.
وَقَرَأ ابْنُ وُثَّابٍ، والحسنُ، والوليدُ عَنْ يَعْقُوبَ « يَجْرِمَنْكُمْ » بِسُكُونِ النُّون جعلوها نون التوكيد الخَفِيفةِ، والنَّهيُ في اللَّفْظِ للشَّنْآنِ، وهو في المعنى للمُخَاطبينَ نحو :« لا أريَنَّكَ هاهُنَا » و ﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] قالَهُ مَكِّيٌّ.

فصل


قال القَفَّالُ : هذا معطوفٌ على قوله :﴿ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله ﴾ إلى قوله :﴿ ولاا آمِّينَ البيت الحرام ﴾ يعني : لا يَحْمِلَنكمْ عَدَاؤُكُمْ لِقَوْمٍ مِنْ أجْلِ أنَّهُمْ صَدُّوكُمْ عن المسْجِد الحَرَامِ أنْ [ تَعْتَدوا فَتَمْنَعُوهُمْ ] عَنِ المسْجِد الحرامِ، فإنَّ البَاطِل لا يَجُوز أنْ يعتدَى به.
قال محمدُ بنُ جَرِير : هذه السورةَ نزلتْ بعد قِصَّةِ « الحُدَيْبِيَةِ »، فكان الصَّدُّ قد تقدّمَ، وليس للناس أنْ يُعِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً على العُدْوانِ، حتى إذا تَعَدَّى واحدٌ منهم على الآخر [ تَعَدَّى ذلك الآخرُ ] عليه، لكنَّ الواجبَ أنْ يُعِينَ بَعْضُهُم بَعْضاً على ما فيه البِرُّ والتَّقْوَى.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ أَن صَدُّوكُمْ ﴾.


الصفحة التالية
Icon