وقوله :« أنْ تَعْتَدُوا » قَدْ تقدم أنَّه مِنْ مُتعلقاتِ ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ ﴾ على أنَّه مَفْعُولٌ ثانٍ، أوْ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الجر، فمَنْ كَسَرَ ﴿ إنْ صَدُّوكُمْ ﴾ يكُون الشرطُ وجوابُه المقدَّرُ في مَحَلِّ جرٍّ صِفَةً ل « قَوْم »، أيْ : شَنَآنُ قَوْمٍ هذه صِفَتُهُم ومَنْ فتحها فمحلُّها الجَرُّ والنَّصْبُ، لأنَّها على حَذْفِ لامِ الْعِلَّةِ كما تقدم.
قال الزَّمخْشَرِيُّ : والمعنى : ولا يَكْسِبَنَّكُمْ بُغضُ قَوْمٍ؛ لأنَّ صدوكم الاعتداء ولا يحملنكم عليه.
قال أبو حيّان : وهذا تفسيرُ مَعْنًى لا تفسير إعْراب؛ لأنّه يمتنعُ أنْ يكون مدلولُ « جرم » حمل وكسب في استعمالٍ واحدٍ لاختلاف مُقتضاهما، فَيَمْتَنِعُ أنْ يكُون [ أنْ تَعْتَدوُا ] في مَحَلِّ مفعول به، ومحلُّ مفعولٍ على إسْقاطِ حَرْف الجر.
قال شهابُ الدِّين : هذا الذي قاله لا يتصَوَّرُ أنْ يتوهمه من له أدْنَى بَصَرٍ بالصِّنَاعةِ حتى ينبِّهَ عليه.
وقد تقدم قراءةُ البَزِّي في نحو :« ولا تَعاوَنُوا » وأنَّ الأصَل :[ « تتعاونوا » فأدغم ] وحذف الباقون إحْدَى التاءيَنْ عند قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث ﴾ [ البقرة : ٢٦٧ ].
قوله تعالى :﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى ﴾ أيْ : ليعن بعضُكم بَعْضاً على البر والتقوى.
قِيلَ : البِرُّ : متابعةُ الأمْرِ، والتَّقْوَى مُجانَبَةُ النَّهْيِ.
وقيل : البرُّ : الإسلامُ، والتقوى : السُّنةُ.
﴿ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان ﴾.
قيل الإثُم : الكفرُ، والعُدْوانُ : الظلمُ. وقيل : الإثمُ : المعصيةُ والعُدوان : البِدْعَةُ.
وقال النَّواسُ بْنُ سَمْعان الأنْصَارِيّ :« سُئِلَ رسولُ الله ﷺ عن البر والإثْمِ، فقال :» البرُّ حُسْنُ الخلقِ، والإثمُ ما حَاكَ في [ صَدْرِك ]، وكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عليه الناسُ «، ثم قال تعالى :﴿ واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ آلْعِقَابِ ﴾، والمرادُ منه التهديدُ والوعيدُ.