١٩٢٦- وَذَا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَقْربَنَّهُ | ولا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ واللَّهَ فاعْبُدَا |
وقرأ طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ بضم النُّونِ وإسْكَانِ الصَّادِ، وهو تخفيفُ القراءة الأولى.
وقرأ عيسى بنُ عُمَرَ :« النَّصَب » بِفَتْحتين.
قال أبُو البقاء : وهو اسمٌ بمعنى : المنصُوبِ، كالقَبْضِ والنَّقَصِ، بمعنى : المقبُوض والمنقُوصِ.
والحسنُ النَّصْب بفتح النون وسكُون الصادِ، وهو مَصْدَرٌ واقعٌ مَوْقِع المفعولِ به، ولا يجوزُ أنْ تكونَ تخفيفاً كقراءة عِيسَى بنِ عُمر؛ لأنَّ الفتحةَ لا تُخَفَّفُ.
فصل
« النُّصُب » يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ جَمْعاً وأنْ يكونَ واحداً، فإنْ كان جَمْعاً ففي واحدِه وُجُوهٌ :
أحدها : أنَّ واحدَهُ نصابٌ ونُصُبٌ، كحِمار وحُمُر.
وثانيها : أنَّ وَاحِدَهُ نَصْبٌ فقولُكَ : نَصْبٌ ونُصُب كسَقْفٍ وسُقُف، وهو قولٌ لابْن الأنْبَارِي.
وثالثها : أنَّ واحدهُ النَّصْبَةُ. قال اللَّيْثُ :[ النَّصْبُ ] جمعُ النَّصْبَةِ، وهي علامةٌ تُنْصَبُ للقومِ، وإنْ قُلْنا : النصبُ وَاحِدٌ، فجمعُهُ أنْصَابٌ، مثل عُنُق وأعْنَاق.
قال الأزْهَرِيُّ : وقد جعل الأعْشَى النُّصُبَ واحداً، وذكر البيتَ المُتَقَدِّم لَكِنْ رَوَاهُ عَلَى وَجْهٍ آخر، قال :[ الطويل ]
١٩٢٧- وَلاَ النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَعْبُدَنَّهُ | لِعَافِيَةٍ واللَّهَ رَبَّكَ فَاعْبُدَا |
فصل
قال بَعْضُهمْ : النُّصُبُ الأوْثانُ، واسْتَبْعَدَهُ قَوْمٌ؛ لأنَّ هذا مَعْطُوفٌ على قولِهِ :﴿ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ ﴾ وذلك هو الذَّبْحُ على اسمِ الأوْثانِ، والمعطوفُ يَجِبُ أنْ يكُونَ مُغَايِراً للمعطوفِ عَلَيْهِ.
وقال ابنُ زَيْدٍ :﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب ﴾، ﴿ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ ﴾ هُمَا وَاحِدٌ.
وقال مُجاهدٌ وقتادةُ وابن جُرَيح : كانَتْ حولَ البيتِ ثلاثمائة وستُّونَ [ حَجَراً مَنْصُوبَة ] كان أهلُ الجاهِليّةِ يَعْبُدُونَها وَيُعَظِّمُونها ويَذْبَحُونَ لها وليست هي بأصْنامٍ، وإنَّما الأصنامُ هي المصَوَّرةُ المنقوشَةُ، وكانوا يُلَطِّخُونَها بتلك الدماءِ، ويضعُون اللحومَ عليها. فقال المسلمون يا رسول الله : كان أهلُ [ الجاهلية ] يُعظمون البيتَ بالدَّمِ، فنحنُ أحَقُّ أنْ نُعَظِّمَهُ، وكأن النبي ﷺ لم يكَره ذلك، فأنزل اله تعالى :﴿ لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا ﴾ [ الحج : ٣٧ ].
وقوله :﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب ﴾.
[ فيه وجهان :
أحدهما : وما ذبح على الاعتِقادِ وتَعْظِيم النُّصب ].
والثاني : ومَا ذُبِح لِلنُّصبِ، و « اللاَّمُ » و « عَلَى » يتعاقَبَانِ. قال تعالى :﴿ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين ﴾ [ الواقعة : ٩١ ] [ أي : فَسَلامٌ عَلَيْكَ ]، وقال :﴿ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ [ الإسراء : ٧ ] أي فعليها.
قولُه سبحانَهُ :﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام ﴾ « أنْ » وما في حَيِّزهَا في مَحَلِّ رَفْعٍ عَطْفاً على « الميْتَةِ ».
والأزْلامُ : القِدَاحُ، واحدُها : زَلْم، وزُلْم بِفَتْح الزَّاي وضَمِّها ذكره الأخْفَشُ.
وإنَّما سُمِّيتِ القِدَاحُ بالأزلامِ؛ لأنَّها زُلِمَتْ أي : سُوِّيَتْ، ويقال : رجلٌ مُزْلِمٌ، وأمرأةٌ مُزْلِمَةٌ إذَا كان خَفِيفاً قَلِيلَ العلائِقِ، ويقال : قَدَحٌ مُزْلَمٌ وزَلْم إذا حُرِّرَ وأُجِيدَ قَدُّهُ وَصِفَتُهُ، ومَا أحْسَنَ ما زلم سهمه، أيْ : سَوَّاهُ، ويقالُ لِقَوائمِ البَقَرِ : أزْلاَمٌ شُبِّهَتْ بالقِدَاحِ لِلَطَافَتِهَا.
وَفِي الاسْتِقْسامِ بالأزلامِ قولانِ :
الأوَّلُ : كان أحدُهُم إذا أراد سَفَراً أو غَزْواً أو تِجَارَةً [ أو نِكَاحاً ] أو أمْراً آخَرَ ضرب بالقِدَاحِ، وكانوا قد كتبوا على بعضها أمَرَنِي رَبِّي، وعلى بعضها نَهَانِي رَبِّي، وتركوا بَعْضَهَا خَالِياً عن الكِتَابَةِ، فإنْ خرجَ الأمرُ أقدْمَ على العملِ، وإنْ خرجَ النَّهْيُ أمْسَكَ وأعادَ، وإنْ خرج الغَفْل أعاد العملَ مَرَّةً أخْرَى.