[ وقيل : هو يوم ] دخوله ﷺ « مَكَّةَ » سنةَ تِسْعٍ.
وقِيل :[ سنة ] ثَمَانٍ.
وقال الزَّجَّاجُ - وتبعه الزَّمَخْشَرِيُّ - : إنَّها لَيْسَتْ للْعَهْدِ، ولم يُرِدْ ب « اليوم » [ يوماً ] مُعَيَّناً، وإنَّما أراد به الزمانَ الحاضِرَ وما يُدانيه من الأزْمِنَةِ الماضِيَةِ والآتِيَةِ كقولك : كُنْتَ بالأمْس شابًّا، وأنْتَ اليومَ أشْيَب، لا تُرِيدُ بالأمسِ الذي قَبْلَ يَوْمِك، و [ لا ] باليومِ الزَّمَن الحاضِر فَقَطْ، ونحوه « الآن » في قَوْلِ الشَّاعِرِ :[ الكامل ]
١٩٢٨- الآنَ لَمَّا ابْيَضَّ مَسْرُبَتِي | وعَضَضْتُ مِنْ نَابِي عَلَى جذْم |
١٩٢٩- وأعْلَمُ مَا في اليَوْمِ والأمْسِ قَبْلَهُ | وَلكنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غدٍ عَمِ |
والجمهورُ على « يَئسَ » بالهمزة، وقرأ يَزِيدُ بنُ القَعْقَاع « يَئسَ » بِيَاءيْنِ مِنْ غَيْرِ همزة.
ورُوِيَتْ - أيضاً - عَنْ أبِي عَمْرو، ويقال : يَئِسَ يَيْئَسُ ويَئْيِسُ بفتح عَيْنِ المضارعِ وكسرها، فهو شاذّ.
ويقال : أيس [ أيضاً ] مقلوبٌ من « يَئِسَ » فوزنُهُ « عَفِل » ويدلُ على القَلْبِ كَوْنُهُ لم يُعَلَّ، إذ لو لم يقدر ذلك لَلَزِمَ إلغاءُ المقتضى، وهو تَحَرُّكُ حَرْفِ العَلّة، وانفتاحُ ما قبله، لكنَّه لما كان في مَعْنَى ما لم يُعَلَّ صَحَّ.
واليَأسُ : انقطاعُ الرَّّجاءِ، وهو ضدُّ الطَّمَعِ.
« مِن دِينِكُمْ » مُتَعلقٌ ب « يئس »، ومعناها ابتداءُ الغَايَةِ، وهو على حَذْفِ مُضَاف، أي : منْ إبْطَالِ أمْرِ دِينكم.
فصل
لَمَّا حَرَّم وحَلَّلَ فِيما تقدم، وخَتَمَ الكلام بقوله :« ذَلِكُمْ فِسْقٌ » ثُمَّ حَرَّضَهُم على التمسُّكِ بما شَرَع لهم، فقال :﴿ اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ واخشون ﴾ أي : فلا تخافُوا المُشْرِكين في خلافكم لهم في الشَّرائعِ والأدْيَانِ، فإنِّي أنْعَمْتُ عليكم بالدولةِ القاهِرَةِ، وصارُوا مَقْهُورِينَ لكم ذَلِيلينَ عندكم، وحصل لهم اليأسُ مِنْ أنْ يَصِيروا قاهِرين لكم مُسْتَوْلِين عليكم، وإذا صار الأمرُ كذلك فيجبُ عليكم أنْ لا تَلْتَفِتُوا إليهم وأنْ تُقْبِلُوا على طاعَةِ اللَّهِ تعالى، والعملِ بشرائعِهِ.
وفي قوله :﴿ اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ ﴾ قولان :
الأولُ : يَئِسُوا مِنْ أنْ يُحَلِّلُوا الخبائِثَ بعد أنْ جعلها الله محرمةً.
والثاني : يَئسُوا مِنْ أنْ يَغْلِبُوكم على دينكُم؛ لأنَّ الله تعالى قد وعد بإعلاء هذا الدين على كُلِّ الأديانِ بقوله :﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ ﴾ [ التوبة : ٣٣ ] فَحَقَّقَ ذلك النَّصْرَ، وأزالَ الخوفَ.
واسْتَدَلُّوا بهذه الآيةِ على أنَّ التقيَّةَ جائِزةٌ عِنْد الخوفِ؛ لأنَّ اللَّه تعالى أمرهم بإظهارِ الشَّرائعِ عند زوال الخَوْفِ مِنَ الكفَّارِ، فدلَّ على جوازِ تركِهَا عند الخوف.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ في قوله :« الْيَوْمَ » [ كالكلام في « اليوم » ] قبلَهُ.
نزلت هذه الآيةُ يَوْمَ الجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ بعد العصر فِي حجَّةِ الوداع، والنبيُّ ﷺ [ وشرف وكرم ومجد وعظم ] وَاقِف بِعَرَفات على ناقَتِهِ العَضْبَاءِ فكاد عَضُدُ الناقةِ يَنْقَدُّ من ثِقلها، فَبَرَكَتْ.