قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ ﴾ الآية.
وهذا أيضاً مُتَّصِلٌ بما قَبْلَهُ من ذِكْرِ المطعُومَاتِ، وقد تقدم الكلامُ على « مَاذَا » [ وما قيل فيها فليلتفت إليه ].
وقوله :« لَهُمْ » بلفظ الغَيْبَةِ لتقدمِ ضَميرِ الغَيْبةِ في قوله تعالى :« يَسْألُونَكَ ».
ولو قيل في الكلام : ماذا أحِلَّ لنا؟ لكان جائزاً على حكايةِ الجملةِ، كقولك : أقْسَمَ زَيْدٌ ليَضرْبَنَّ ولأضربَنَّ، بلفظ الغيبة والتكلمِ، إلا أن ضمير المتكلّمِ يَقْتَضي حكايةَ ما قالوا : كما أن « لأضربن » يقتضي حكاية الجملة المقسم عليها، و « ماذا أحِلّ؟ » هذا الاستفهامُ معلّق للسؤال، وإن لم يكن السؤالُ من أفعالِ القُلُوبِ إلاَّ أنَّهُ كان سبب العلم، والعلم يعلق، فكذلك سببهُ، وقد تقدم تحريره في « البقرة ».
وقال الزمخشري هنا : في السؤال معنى القول، فلذلك وقع بعده ماذا أحل لهم، كأنه قيل : يقولون : ماذا أحل لهم، ولا حاجة إلى تضمين السؤال معنى القول؛ لما تقدم من أن السؤال يعلق بالاستفهام كمسببه.
وقال ابن الخطيب : لو كان حكاية لكلامهم لكانوا قد قالوا : ماذا أحلَّ لهم، ومعلوم أن ذلك باطل لا يقولونه، وإنما يقولون ماذا أحِلَّ لنا، بل الصحيح أنه ليس حكاية لكلامهم، بل هو بيان كيفية الواقعة.
قال القُرْطُبي :« مَا » فِي مَوْضِعِ رفعٍ بالابتداء، والخبرُ « أُحِلَّ لَهُمْ »، و « ذَا » زَائِدَةٌ وإنْ شِئْتَ كانت بمعنى « الذي »، ويكون الخبر ﴿ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات «.
فصل في سبب نزولها
قال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ : نزلت هذه الآيةُ في عديّ بْنِ حَاتِم، وَزَيْدِ بْنِ المُهَلْهِلِ [ الطائيين وهو ] زَيْدُ الخيل الذي سمَّاه النبيُّ ﷺ زيد الخيْرِ، فقال :» يا رسول الله، إنّا قَوْمٌ نَصِيدُ بالكِلاَبِ، والبزاةِ، فَمَاذَا يَحِلُّ لَنَا منها؟ «. فنزلت هذه الآية.
وقيل : سببُ نزولِها أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لما أمر بقتل الكلابِ، قالوا : يا رسول اللَّهِ، ماذا يحلُّ لنا من هذه الأمَّةِ التي أمرت بقتلها؟ فنزلت هذه الآية، فلما نزلت أذِنَ رسولُ الله ﷺ في اقتناءِ الكِلابِ التي يُنْتَفَعُ بها، وَنَهَى عن إمْسَاكِ مَا لاَ يُنْتَفَعُ بها.
قوله تعالى :{ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات ﴾ يعني : الذَّبَائح على اسم الله عزَّ وجلَّ.
وقيل : كلُّ ما تستطيبه العرب وتستلذُّه من غير أن يراد بتحريمه نصٌّ من كتاب أو سنة، وكانت العرب في الجاهليةَ يحرمون أشياء [ من الطيبات ] كالبحيرَة والسَّائِبَةِ والوَصِيلَةِ، والحامِ، فهم كانوا يستطيبونها إلا أنَّهُم كانوا يحرِّمُونَ أكلها لِشُبُهَاتٍ ضعيفة، فذكر تعالى أن كلَّ ما يُسْتَطَابُ فهو حلال، وأكَّدَهُ بقوله تعالى :﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق ﴾