وثانيها : ما روي [ عن عطاء ] قال :« إنَّما رخّص اللَّهُ - تعالى - في التزويج بالكتابيَّةِ في ذلك الوقت؛ لأنَّه كان في المسلمات قلّة، والآن ففيهن كثرة عظيمةٌ فزالت الحاجة، فلا جَرَمَ زالت الرُّخصة ».
وثالثها : الآياتُ الدّالة على وُجوب مباينة الكفَّارِ، كقوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [ الممتحنة : ١ ] وقوله ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ ﴾ [ آل عمران : ١١٨ ]، ولأنَّ عند حصول الزَّوجيّة ربما قويت المحبَّة فيصير ذلك سبباً لميل الزوج إلى دينها.
قوله سبحانه :﴿ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ ظرف العامل فيه أحد شيئين، إمَّا « أحَلَّ » وإما « حِلّ » المحذوف على حسب ما قُرِّر، والجملة بعده في محلّ خفض بإضافته إليها، وهي - هنا - لمجرَّد الظرفيَّة.
ويجوز أن تكون شرطيةً، وجوابها محذوف، أي :﴿ إذا أتيتموهن [ أجورهن ] ﴾ حللن لكم.
والأوَّلُ أظهرُ.
و « مُحْصِنينَ » حال، وعاملها أحد ثلاثة أشياء : إما « آتيتمُوهُنَّ »، وصاحب الحال الضمير المرفوع.
وأما « أحِلّ » المبني للمفعول.
وأما « حل » المحذوف كما تقدَّم.
و « غَيْر » يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن ينتصب على أنَّهُ نعت ل « محصنين ».
والثاني : أن ينصب على الحال، وصاحب الحال الضمير المستتر في « مُحْصنِينَ ».
والثالث : أنهُ حال من فاعل « آتيْتُمُوهُنَّ » على أنَّهَا حال ثانية منه، وذلك عند من يجوز ذلك.
فصل
تقييد التحليل بإيتاء الأجور يدلّ على تأكيد وجوهاً، وأن من تزوَّج [ امرأة ] وعزَمَ أن لا يعطي الزوجة صداقها كان في صورة الزّاني، فتسمية المهر بالأجرة يدلُّ على أنَّ الصّداق لا يتقدر كما أنَّ أقل الأجل في الإجارات لا يتقدَّرُ.
وقوله :﴿ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ أي غير معالنين بالزِّنَا ﴿ وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ ﴾.
قال الشعبِيُّ : الزِّنَا ضربان :
السفاح [ وهو الزِّنَا على سبيل الإعلان، واتَّخاذ الخدن ] وهو الزّنا في السرِّ واللَّهُ تعالى حرّمهما في هذه الآية، وأباحَ التمتُّعَ بالمرأة على جهة الإحصان.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ ﴾ يجوز فيه الجَرُّ على أنه [ عطف ] على « مُسَافحينَ »، وزيدت [ « لا » ] [ تأكيداً للنَّفي ] المفهوم من « غَيْر »، والنَّصب على أنَّهُ عطف على « غير » باعتبار أوجهها الثلاثة، ولا يجُوز عطفها على « محصنين » ؛ لأنَّهُ [ مقترن ب « لا » ] المؤكدة للنفي المتقدم، ولا نفي مع « مُحْصِنينَ »، وتقدَّمَ معاني هذه الألفاظ.